علاقة كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية بسائر الكنائس المسيحية -
بقلم قداسة البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص
اللقاءان التاريخيان بين بابا روما وبطريرك أنطاكية السرياني:
في 25 و 26 أيلول عام 1971 قام سلفنا الطيب ...
الذكر البطريرك يعقوب الثالث بزيارة الفاتيكان،
فاستقبله الطيب الذكر البابا بولس السادس بترحاب لائق، وتعانق الحبران الكبيران كأنهما أخوان حبيبان فارق أحدهما الآخر مدة طويلة من الزمن ثم التقيا أخيراً.
وفي كابلة (ماتيلدا) البلاط البابوي أديا ومرافقيهما صلاة مشتركة باللاتينية والسريانية
تخللها دعاء لحفظ حياة البابا والبطريرك. وألقى كل منهما خطاباً رائعاً فيما يأتي فقرات منهما.
قال البطريرك في خطابه:
«بعد 1520 سنة من انقسام وحروم متبادلة وما إليها يلتقي رئيسا هاتين الكنيستين الأكثر قدماً في
المسيحية أحدهما بالآخر كأخوين في جو من المحبة والأخوّة. حقاً إن الزمن هو شافٍ للجروح».
وقال البابا في خطابه: «إننا نحيي في شخصكم كنيسة ترى في إيمان الهيئة الرسولية في أنطاكية وعبادتها أصولاً وأساساً لشهادتنا المسيحية،
وقبل تسع سنوات قبلتم قداستكم دعوة سلفنا يوحنا الثالث والعشرين لتمثّلوا في مجمع الفاتيكان الثاني بمندوب مراقب. ومنذ ذلك الحين ساعد تبادل الرسائل بيننا وزيارة أشخاص رسميين من كنيستنا لقداستكم على تقوية العلاقات ما بين كنيستينا.
والآن لي السرور باللقاء بكم شخصياً لكي نتبادل وجهات النظر والرغبات التي تنعشنا. إن زيارتكم لنا تجعلنا أكثر وثوقاً، بأن كنيستينا ستجدان وسائل لتعاون أعظم في مهمتنا المشتركة، وستفتحان في الوقت نفسه طريقاً للشركة التامة التي نشتاق إليها كلنا بحرارة».
وأصدرا بياناً مشتركاً جاء فيه: «فيما يختم قداسة البابا بولس السادس وقداسة البطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث اجتماعهما الخطير الذي سجّل خطوة مديدة من العلاقات ما بين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية... يشكران الله الذي أتاح لهما فرصة هذا اللقاء التاريخي.
لقد حصل تقدم، وان البابا بولس السادس والبطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث مقتنعان بأنه ليس هناك فرق في الإيمان الذي يعترفان به بالنسبة إلى سر كلمة الله الذي صار جسداً وصار إنساناً حقاً وإن نجمت عن الأجيال صعوبات نتيجة لمصطلحات لاهوتية مختلفة عُبّر بها عن هذا الإيمان لذلك فإنهما يحثّان إكليروس كنيستيهما ومؤمنيها على بذل المزيد من المساعي لتذليل العقبات التي ما تزال تمنع من الشركة التامة فيما بينهم، ويحثّان خاصة علماء كنيستيهما، وعلماء جميع الطوائف المسيحية كافة على أن يسبروا غور سر المسيح بتواضع لكي تساعد ثمار دراساتهم الكنيسة في خدمتها للعالم الذي افتداه ابن الله المتجسّد».
أيها السامعون الكرام:
منذ تنصيبي بطريركاً بالنعمة لا باستحقاق، وأنا أسعى لاقتفاء أثر أسلافي الطيبي الذكر وخاصة في ميادين التعاون مع الكنائس المسيحية إلى ما فيه خير المسيحية ووحدتها لذلك قمت بزيارة حاضرة الفاتيكان في غضون شهر حزيران من العام 1984 وقابلت قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، وكانت زيارة عمل تهيأت له الكنيستان فقد أعد بيان مشترك، دُرس في مجمعنا المقدس في دمشق ودرسه الفاتيكان أيضاً، وبعد تبادل رسائل عديدة لمدة سنة ونصف، قمنا بهذه الزيارة، ووقعنا وقداسة البابا يوحنا بولس الثاني في 23/6/1984 البيان المشترك الذي كتب بالإنكليزية وفيما يأتي فقرات منه مترجمة إلى العربية:
ـ ما دام سرّ الافخارستيا المقدس هو التعبير الرئيسي للوحدة المسيحية بين المؤمنين وبين الأساقفة والكهنة فلا يمكن بعد أن نحتفل بهذا السر لأن مثل هذا الاحتفال الجماعي يفترض التماثل التام في الإيمان، وهذا التماثل التام لم يتمّ بعد بيننا وذلك أن بعض القضايا لا زالت معلقة يعوزها الحلّ فيما يخصّ مشيئة الرب في كنيسته وأيضاً النتائج العقائدية والتفاصيل التشريعية للتقاليد الخاصة بكنيستينا اللتين عاشتا منفصلتين مدة طويلة.
ـ إن وحدتنا في الإيمان ولئن كانت بعد غير متكاملة ولكنها تؤهلنا لأن نتطلع إلى التعاون بين كنيستينا في مجال الخدمة الرعوية سيما في الظروف التي نعيشها اليوم سواء بسبب تشتت المؤمنين في أنحاء العالم أم بسبب عدم الاستقرار في هذه الأيام العسيرة. وكثيراً ما يستحيل على المؤمنين مادياً ومعنوياً التوصل إلى كاهن من كنيستهم ونحن حرصاً منا على بلوغ مآربهم، وانطلاقاً من حاجتهم الروحية: نأذن لهم في مثل هذه الحالات أن يطلبوا أسرار التوبة، والافخارستيا، ومسحة المرضى، من الكهنة المعتمدين في إحدى كنيستينا الشقيقتين عندما تدعو الحاجة إلى ذلك. وقد يكون منطقياً نتيجة لهذا التعاون في مجال الخدمة الرعوية أن نسعى إلى التعاون في مجالي التكوين الكنسي والتربية اللاهوتية. نشجع الأساقفة على دعم المشاركة، وتقديم التسهيلات خدمة للتربية اللاهوتية حيث تتأكد الفائدة من ذلك. ونحن إذ نفعل هذا ينبغي ألا ننسى أن علينا أن نبذل كل ما بوسعنا لاستكمال الوحدة الكاملة والعلنية بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة السريانية الأنطاكية ونواصل ابتهالاتنا إلى الله ليمنحنا الوحدة التي وحدها تؤهلنا أن نؤدي أمام العالم شهادة الإنجيل في إجماع لا شذوذ فيه.
ـ وإذ نقدم الشكر لله الذي أهلنا لهذا اللقاء ووهبنا أن نتمتع بتعزية الإيمان الذي نتمسك به معاً(رو1 :12) وأن نعلن أمام العالم سر شخص (الكلمة) الذي تجسد وقام بعمله الخلاصي، وهو الأساس الذي لا يتزعزع لإيماننا المشترك، نتعهد رسميا ببذل كل ما في وسعنا لإزاحة العقبات الأخيرة التي تعرقل سير الوحدة الكاملة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية الأنطاكية، لكي نستطيع بقلب واحد وصوت واحد أن نشيد (بالكلمة) النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان ولكي يصير كل المؤمنين به أبناء الله(يو 1: 9 ـ 12).
وقد اعتبر بعض المختصين في الحركات المسكونية هذا البيان ثورة في الكنيسة لأنه يمتاز عن البيان الذي أصدره الطيب الذكر البطريرك يعقوب الثالث بكونه بياناً لا عقائدياً وحسب بل أيضاً راعوياً، ويترجم شعور الراعي المهتم بخلاص رعيته. ففي البيان نقطة مهمة جداً ذلك أن شركة الأفخارستيا هي علاقة شركة المسيحيين. وإذا حُرم مؤمن من شركة القربان المقدس يعني ذلك أنه حُرِمَ من الكنيسة، ولا يمكن أن يُعطى القربان لمن لا يشاركنا في الإيمان، ولكننا لأجل خلاص نفوس اولئك الذين يحتاجون إلى القربان المقدس وإلى سر التوبة وإلى مسحة المرضى التي قد تكون المسحة الأخيرة، ويتعذر عليهم إيجاد كاهن من كنيستهم، وقد يتشككون إذا ما التجأوا إلى كنيسة أخرى. لذلك سمح البيان للكاهن الكاثوليكي أن يخدم المؤمنين السريان وهم سريان وللكاهن السرياني أن يخدم المؤمنين الكاثوليك وهم كاثوليك.
وليس هذا الأمر خيالاً، فقد طُبق عملياً في اوروبا. ونحن هناك بإمكاننا إن نستخدم الكنائس الكاثوليكية وقاعاتها ونواديها بموعد مسبق، وبإمكان الكاهن الكاثوليكي أن يخدم السريان متى تعذر وجود كاهن سرياني ولا يصطادهم كما كان يفعل سابقاً، كما أن الكاهن السرياني يخدم الكاثوليك في نفس الحالة ولا يصطادهم أيضاً. فهذا فتح مبين، وباب يعتبر الباب الحقيقي للطريق المؤدية إلى الوحدة المسيحية.
بالختام أتمنى على الله أن يلهمنا جميعاً كي نصلي لأجل الوحدة المسيحية بقلوب نقية طاهرة. ونطلب إليه تعالى أن يقرب موعدها، ويسقط من عيوننا قشور الكبرياء والعجرفة والمصلحة الشخصية لنرى بعضنا بعضاً كما نحن ولنعبد المسيح بالروح والحق آمين.