الآب السماوي يمنح لنا كماله بحلول الروح القدس فينا!
*****************
الله روح، والذين يسجدون له، فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا (يوحنا 4 ، 24).
روح الله هو في ذاته كامل، وقدوس، وطاهر، كما الله هو قدوس، وفوق كل شكاوي الشيطان.
وهذا الروح الإلهي يحل في أتباع يسوع، لأنهم غير قادرين أن يسلكوا كما يحق بالإنجيل،
فيعين هذا الروح ضعفاتنا، ويدفعنا نحو سلوك لائق لإسم أبينا السماوي.
وهو بنفس الوقت قوة الله للخلاص، لكل من يؤمن، فالآب السماوي يحررنا حسب الحق،
ويقوينا بواسطة الروح، فيشركنا بالكمال شرعيا وروحيا.
كان الله في العهد القديم يعد بحلول الروح القدس، في أتباع المسيح، بوعده العظيم:
"أعطيكم قلبا جديدا ، وأجعل روحاً جديدة في داخلكم، وأنزع قلب الحجر من لحمكم،
وأعطيكم قلب لحم، وأجعل روحي في داخلكم، وأجعلكم تسلكون في فرائضي،
وتحفظون أحكامي، وتعملون بها" (حزقيال 26 ، 26 - 27).
وتمت هذه الوعود في عيد العنصرة، وتمركز روح الله في قلوب المصلين:
"لما حضر يوم الخمسين، كان الجميع معا بنفس واحدة وصار بغتة من السماء صوت،
كما من هبوب ريح عاصفة، وملأ كل البيت، حيث كانوا جالسين وظهرت لهم ألسنة منقسمة
كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم وامتلأ الجميع من الروح القدس" (أعمال الرسل 2 ، 1-4).
هذا الحلول الإلهي، إلى الذين بررهم المسيح بدمه الثمين، يأتي بمواهب وصفات،
ودوافع وامتيازات بدون حصر، ويمنح لنا أولا معرفة الآب والإبن.
وليس من أحد يعرف الآب ولا الإبن إلا بهبة الروح القدس.
"لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله، إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضا للخوف،
بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب. الروح نفسه أيضا يشهد لأرواحنا أننا أولاد
الله" (رومية 8 ، 14 - 16).
فهل أدركت من هذه الآيات كمال الله الموهوب لك ، لأنه يعلن لك هذا الروح اسمه الآب،
وبنفس الوقت يمنحك التبني، حتى تكون من أولاد الله حسب الحق.
ولا يتراجع الله عن هذا الحق، بل منحه لك إلى الأبد. فهو الآب، وأنت من أولاده في الروح والحق.
ويحقق الروح فينا محبة الله، ويملأ الفراغ فينا، ويدفعنا على تطبيق هذه الموهبة، كما نقرأ :
"محبة الله، قد انسكبت في قلوبنا، بالروح القدس المعطى لنا" ( رومية 5 ، 5).
إن محبة الله كاملة وغير ناقصة، وهي بذاتها موهوبة لك، لأن محبتك الخاصة ضئيلة ووقتية،
أما محبة الله، فهي قوية، أزلية أبدية، لا تتغير ولا تنتهي.
وقال المسيح أنه يريد أن يكمل فينا فرحه:
"كلمتكم بهذا، لكي يثبت فرحي فيكم، ويكمل فرحكم" (يوحنا 15 ، 11).
وحقق يسوع بهذا الوعد في صلاته الشفاعية عندما طلب من أبيه لأجلنا:
"أما الآن فإني آتي إليك، وأتكلم بهذا في العالم، ليكون لهم فرحي كاملا فيهم"
(يوحنا 17-13).
يتضح من كلمات يسوع هذه أن مسرة الله ساكنة فيه، وأنه يشركنا بسروره حسب القول:
"لا تحزنوا، لأن فرح الرب، هو قوتكم" ( نحميا 8 ، 10).
يجري العالم بسرعة نحو الفرح المشتاق إليه ولا يجدونه. الفرح الدنيوي ينتهي بدموع،
أما فرح المسيح فهو كامل، وموهوب لك، إن فتحت نفسك لروح المسيح، المنبعثة من قلب الآب.
وفوق هذا نقرأ من بولس الرسول:
"وسلام الله، الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع"
(فيليبي 4 ، 7).
هل عرفت أن في الله سلاما؟
وأنه لا يوجد في الدنيا سلام حقيقي، إلا بحلول سلام الله بالقلوب والأذهان،
والعائلات والجماعات والكنائس؟
سلام الله كامل موهوب لمن يثبت في المسيح، وهو فيهم. فتش الكتب، فتجد
أن تواضع المسيح ووداعته، وعفته وروحه للخدمة، وحمده وعطفه،
وكل صفاته، الموهوبة لك في الروح القدس، كاملة بذاتها، موهوبة لك!
وأما روح المسيح فلا ينام، ولا ييأس، بل يعمل، ويدفعك إلى عمل صالح، ويعزيك،
وينشيء فيك اليقين، ويساعدك للشهادة الواضحة، أمام السلطات حسب قول يسوع:
"فمتى أسلموكم، فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون، لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به،
لأن لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم، الذي يتكلم فيكم" (متى 10 ، 19).
يمنح الآب السماوي لأولاده وحيا كاملا حتى يستطيعوا أن يشهدوا بحقيقته،
وبخلاص المسيح الكامل.
الروح القدس هو عربون فدائنا ( أفسس 1 ، 14)
والمسيح فيكم رجاء المجد ( كولوسي 1 ، 27).
إن تعمقت في هذه الآيات، أدركت سر الكمال الموهوب لأتباع المسيح،
بأن الله الآب والإبن والروح القدس يهب ذاته لأتباع المسيح، ليشتركوا في كماله
، وهكذا يصبحون أعضاء في أسرة الله ورعيته:
"فلستم إذا بعد غرباء ونزلا، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله مبنيين على أساس الرسل
والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر نفسه الذي فيه كل البناء مركبا معا ينمو هيكلا مقدسا
في الرب الذي فيه أنتم أيضا مبنيون معا مسكنا لله في الروح" ( أفسس 2 ، 19-22 ).
ردد بولس هذا السر العظيم مرارا: "أن جماعة المسيح هم هيكل الروح القدس"
(كورنثوس الأولى 3 ، 16-17 ، 6، 17 و 19).
وطلب المسيح لأجلنا نحن البطالين أن نقترب من وحدة الثالوث الأقدس ونجذب إليها،
ونثبت فيها، لنشترك في كمالها: "وأنا قد أعطيتهم المجد، الذي اعطيتني،
ليكونوا واحدا، كما أننا نحن واحد أنا فيهم، وأنت في، ليكونوا مكملين إلى واحد،
وليعلم العالم أنك أرسلتني، وأحببتهم كما أحببتني". (يوحنا 17 ، 22-23).
من يدرك هذه الوعود والحقائق في صلوات يسوع، يسجد للآب والإبن بقوة الروح القدس،
لأنه أكمل الوصية العظمى، أن نكون كاملين كما أن أبانا في السماء هو كامل.
نحن في ذواتنا لا شيء، بل مذنبون مدانون، فالله في رحمته يرفعنا نحو مستواه،
ويهب لنا ذاته، حتى نشترك في كماله. فلا يعطينا مالا أو قوة أو شرفا دنيويا،
بل كمالا روحيا، لأن كل الطاقة البشرية تزول، أما كماله فيستمر ويدوم إلى الأبد.
† "تعرفون ألحق والحق يحرركم" †