مستويات الحوار:
علاقات كلّ شخص تُشْبِه خمسة دوائر مُتداخلة على مسافات مُختلفة من المركز، نبدأها من الدائرة الأبعَد:
(5) كلام سَّطحي: أضْعَف مستوى في العلاقات والتَّواصُل. نستعمل فيه كلمات مُسْتَهْلَكَة، لمُجَرَّد المُجاملات العادية السَّطحية. مثل: كيف الحال؟ كيفها عيلتك؟ أتمنى نتقابل مرة تانية.. الخ. والسَّائل هنا لا يعني شيئاً ممَّا يسأل عنه، ولعلَّه يُدْهَش إذا أجابه الآخَر بدقَّة وتفصيل عمَّا يسأل عنه. فمِن المُعتاد أنْ يشعر الآخَر بسطحية هذه الأسئلة وقِلَّة الصِّدق فيها، فيعطي بدوره إجابات مُختَصَرَة ومُتوَقَّعَة، مِثل: ماشي الحال، نشكر الله، إذا الله أراد.. الخ. فالناس في هذه الدائرة يتكلَّمون معاً، لكن بسطحية شديدة، وكلّ منهم في عُزلته لا يتفاعل مع الآخر.
(4) كلام عن الآخرين: في هذه الدائرة نكتفي بأنْ نَنْقِل ما قاله فلان، وما صَرَّح به عِلتان، وما عَمِلَته فلانة... الخ. دون أي تعليق مِنَّا، أو إدلاء بأيّ رأي.
(3) كلام عَن النَّفْس: هذه دائرة أضْيَق وأقْرَب إلى المَركَز مِن السَّابقتَيْن، فيها يكشِف المُتكلِّم شيئاً عَن نفسه لمَن هم في هذه الدائرة. فيكشِف عن بعض أفكاره وقراراته، لكنَّه يريد التَّأكُّد أولاً مِن أنَّهم سيقبلونها. فإذا شَعر بعدم تجاوب واضِح منهم، فإنَّه يتراجَع بسُرعةً إلى الدوائر السابقة، فهي أكثر أمْناً بالنسبة له. فيَصْمُت أو يتناول موضوعاً آخَر.
(2) إظهار المشاعِر: هي دائرة أقْرَب إلى المَركَز مِن الدوائر السابقة، فيها يكشِف الفرد عمَّا يجول بخاطِرِه، ويبوح بمشاعِر أعمق مِن التي تكمن وراء توجُّهاته وأفكاره وقراراته وسلوكه الظَّاهر، وذلك للمُقرَّبين له أكثَر.
(1) الانفتاح والصِّدق: هذه هي الدائرة الأقرب إلى المَركَز، هي العلاقة الحميمة العميقة التي تتميَّز بالانفتاح التَّام والصِّدْق. فيها يشعُر الفرد باندماج وجداني شِبه كامِل مع الآخَر. الأمر الذي يجب أن تكون عليه العلاقات داخل العائلة، أو على الأقلّ على المستوى الثاني. هنا يجب أن نتوقَّف ونتأمَّل هذه الدوائر الخمس، ويضع كل فرد في العائلة أفراد عائلته على هذه المستويات، ويسعى إلى التقدُّم نحو المستوى الأول، الدائرة الأقرب.
محاور الحوار:
هناك ثلاثة محاور للحوار الإيجابي، المُفيد والمُمْتِع لأطرافه: الكلام، الاستماع، والإصغاء:
المحور الأول: الكلام :
مِن أكبر مشاكل الكلام بين الأزواج، الخَرَس الزوجي. فإذا رأيت اثنين يجلسن معاً وقتاً طويلاً ولا يتحدَّثان، فهُما زوجان. وإذا كان الحوار بينهما على المستوى الخامس أو الرابع، فهو سلبي جداً، يجب أنْ يتدرَّج ويَرْتَقي إلى الثالث والثاني والأول. إلاَّ أنَّ هناك مستوًى أصْعَب جداً، هو مستوى الخَرَس!! أي الصَّمْت إلى حَدِّ الخَرَس. مِن المؤكَّد أنَّها حالة قاتِلَة ومُمِلَّة، تلك التي يكون فيها الحوار مُنقطعاً، أو مِن طَرَف واحِد فقط. هذه حالة الكثير مِن الزِّيجات في مُجتمعاتنا، حيث يعتَبِر الرَّجل أنَّه مِن الضُّعف أنْ يتحاور مع زوجته، أو يُبيِّن لها مشاعر الحبّ والتقدير، أو يكشف لها عن نقاط ضعْفه. فإذا كنتِ تُعانين مِن إصابة زوجَكِ بالخَرَس، يجب أنْ تعرفي أنَّ الحوار بينكما مثل السيارة، لا يمكنها أن تُقلِع فوراً على الغيار الرابع دَفْعَة واحِدَة، بَلْ تبدأ ببُطْءٍ، ثم تَتَدَرَّج في السُّرعة، مع ملاحظة المَطَبَّات الصناعية والطبيعية والمُنحنيات الخَطِرة. فلا تُلحِّي عليه ولا تتعجَّلي تخلُّصه من حالة الخَرَس هذه. اجعلي حياتك الزوجية على مستوى العمل أكثر، وتمثَّلي بالسَّامري الصَّالح، وكوني أنتِ أدوات ذلك السَّامري: لقد كان لديه الدَّواء، والدَّابة، والفُنْدُق. فكوني له الدَّواء وقت تَعَبه وإرهاقه، كالبَلْسَم المُسَكِّن لآلامه. وكوني له سيَّارة الإسْعاف (الدَّابة، عَفْواً) لإسْعافه وإنقاذه في الأوقات الحَرِجَة العاجِلَة. وكوني له الفُنْدُق وَقتَ قَلَقِهِ وتَوَتُّره وعَدَم استقراره.
سُئل الزَّوج: لماذا لا تتكلَّم مع زوجَتك في البيت؟ أجاب: لأنَّها تتكلَّم كثيراً ولا تعطيني فُرْصَة للكلام. فلكلّ منهما أقدِّم عشْر نصائح. فللزوجة أقدِّم هذه النَّصائح العَشْر لمُعالَجَة الخَرَس الزَّوجي عند زوجها:
(1) اصْمُتي قليلاً لتَسْمَعيه، بَلْ اصْمُتي لتَسْمعي نفسك أيضاً.
(2) لا تجعلي الحياة الزوجية مُجرَّد كلام. صحيح أنَّ الكلام هو وسيلة الاتصال والتَّخاطُب والتَّحاور والتَّعبير، لكنَّه ليس الوسيلة الوحيدة. فالصَّمْت، واللَّمْس، والإصْغاء الجيِّد، والهدية المُناسِبة، والمَوقِف العَمَلي، هذه كلّها وسائل تعبيرية غير كلامية، وكثيراً ما تكون أكثر صِدْقاً مِن الكلام، لأنَّ الكلام يظلّ اسْمُه كلام.
(3) تكلَّمي معه بتواضع، فلديه أشياء كثيرة يُمكنكِ أنْ تتعلَّميها مِنه، وسوف يَغنيك بأفكار وخبْرات جديدة.
(4) تحلَّي بالصَّبْر، فالأمر يحتاج إلى وقت طويل لكي يُقلع عن هذه العادة، ويكون تلقائياً في كلامه معكِ.
(5) ساعديه أن يُفصِح لكِ عَن مكنونات قلبه بدون ضَغْط وإلحاح واستفزاز.
(6) أشْعِريه بأنَّه مقبول ومحبوب بدون شروط ولا قيود.
(7) عندما تكتشفي مِنه ما هو حَقّ، أو ما هو جميل، أو ما هو عادل، أو ما له قيمة عنده، انْدَهشي وأظْهِري إعجابك وتقديرك له، واهْمِلي نقائصه وما يمكن أنْ يزعجك فيه أو منه، ولا تتعمَّدي إظهار جَهْله أو تَقْصيره.
(8) لا تَتَصَيَّدي له الأخْطاء، لأنَّكِ بذلك تضعينه في موقف العدو، ممَّا يضك\طره أن يدافع عن نفسه.
(9) تجنَّبي ثلاثة أمور: [أ] الابتسامات التهكُّمية أو السُّخرية مِنه، فهذا يحوِّله إلى عدو وليس زوج. [ب] الأسئلة الكثيرة، خاصة عَن التفاصيل الدَّقيقة، فلا تجعلي بيتك مركز شُرطة، أنتِ فيه الضَّابط المُحَقِّق وهو المُتَّهَم الذي عليه أنْ يُجيب على جميع أسئلتك واتِهاماتك. [ج] الغرور والتباهي بما فعلتيه لأجله، أو بما قُلتِه لَه.
(10) لا تستندي إلى حاسَّتك السادسة، فليسَت جميع النساء لديهنَّ هذه الصفة، وإذا كانت لديك، فهي لا تُصيب دائماً. فلا تؤسِّسي كلامك وردود أفعالك ومواقفك وحياتك على هذه الخاصية، حتى لو صَحَّت أحياناً.
وللزوج المُصاب بالخَرَس الزَّوجي أقدِّم أيضاً عشرة نصائح:
(1) عليك أنْ تعرف وتُقدِّر جيداً أنَّ الكلام بالنسبة للمرأة، بشكل عام، يمثِل محوراً هاماً في حياتها. فلا تَسْخَر منها ولا تَسْتَهزئ بمشاعرها هذه. لاحظ أنَّه عندما يدقّ جرس الهاتف في المنزل فإنَّك تبحث بسرعة عن ورقة وقلم، أمَّا هي فإنَّها تبحث عن مقعد.
(2) اعترف لنفسك بأنَّ حالة الخَرَس هذه خطية في حقّ زوجتك. ومِن ثمَّ اطلُب الغفران مِن الله، واطلُب مِنه أنْ يعينك حتى تَنْفَكّ عُقدَة لسانك. إنَّ الضّعف البشري جُزء لا يتجزَّأ مِن الحياة، لكن الإنسان الروحاني يستطيع أنْ يُصَرِّح بضعفه لنفسه، ولشريكه بدون خَجَل. أما إذا حاوَلْتَ إخْفاء ضعفاتك وإنكارها، فسَوف تتحوَّل إلى قيود تُكبِّلك وتحدّ مِن حُرِّيتك، وتمنَعك حتى مِن حُبِّك لنفسك الحُبّ الصحيح، فتنزلِق إلى هاوية الشُّعور بالنقص واحتقار الذات.
(3) كُن صادقاً في كلامك (متى 37،34:5)، لأنَّ الرِّياء والنِّفاق سيأتيان بنتيجة عكسية.
(4) اجعَل كلامك واضِحاً ومُحَدَّداً وله هدف. فمَن لا يعرف إلى أين يذهب، سيَصِل حَتْماً إلى المَجهول.
(5) تحدَّث معها وليس إليها. فإذا قالَت شيئاً تافِهاً، أو غَير صحيح، لا تقُل لها: كلامك خَطأ، وسوف أُصَحِّحه لكِ. بل قُل لها: ربما أكون مُخْطِئاً في تقديري لرأيكِ، دعينا ندرسه معاً.
(6) اعترِف بما تُخطئ فيه، أو اعتذر عَنْه، بكلّ شجاعة، وصَحِّحه (1يوحنا 8:1).
(7) لا تَصْمُت متى كان الكلام واجِباً، ولا تتكلَّم متى كان الصَّمت واجِباً.
(8) ابدأ رحلة البَحْث عمَّا هو صالِح فيها وأخْبرها به. فكلّ مِنَّا في داخله قاضٍ يجلِس على كرسي القَضاء، ويُصْدِر الأحكام على الآخَرين، ولا يَقبَل الاستئناف. فكُن مُحامياً لها في داخِلِكَ ولا تكُن قاضياً. سيكون الأمر صعباً في البداية، لكنه مع الاستمرار سيكون سهلاً ومُمتِعاً.
(9) ضَعْ قدمَيْك في حِذائها، هذا ما نُسمِّيه (الذَّكاء الوجداني). فالذَّكاء العقلي عملية ذهنية بَحْتَة، لكن مِن المُلاحظ أنَّ كثيرين مِن الأذكياء ذهنياً يتصرَّفون بمُنتهى الغَباء عاطفياً، فيَجْلِبون على أنفسهم أضْراراً كثيرة. إنَّ ذكاءك الوجداني هو قُدرتك على التعامُل مع مشاعرها بفاعلية، والدخول إلى حالتها الوجدانية، والنَّظر للأمور بمنظورها هي. أي أنْ تَضَع نفسك جانِباً، وتحاول الدُّخول إلى عالمها وترى الحياة بعينَيْها. إنَّها عملية صَعْبَة، لكنَّها ستنقِل علاقتكما إلى مستويات أعمق وأروع.
(10) يجب أنْ تعترِف بالاختلاف بينكما، لكن مع الاحترام والانسجام.