المسيح يعلم بأمثال!
*******
علم المسيح كثيرا بالأمثال. وأمثاله خالية من القصص الخيالية كنطق الحيوان وحركة الجماد،
كما أنها اجتنبت كل إشارة هزلية، لأنها شرحت لسامعيه أسرار ملكوت السماوات.
**
مثل الزارع!
"هوذا الزارع قد خرج ليزرع، وفيما هو يزرع سقط بعض على الطريق، فجاءت الطيور وأكلته.
وسقط آخر على الأماكن المحجرة، حيث لم تكن له تربة كثيرة، فنبت حالا إذ لم يكن له عمق أرض.
ولكن لما أشرقت الشمس احترق، وإذ لم يكن له أصل جف.
وسقط آخر على الشوك، فطلع الشوك وخنقه. وسقط آخر على الأرض الجيدة فأعطى ثمرا،
بعض مئة وآخر ستين وآخر ثلاثين.
من له أذنان للسمع فليسمع" (متى 13:3-9).
في المثل الأول المسمى مثل الزارع، قسم المسيح سامعي كلام ملكوته إلى أربعة أقسام.
قسم يسمعون بآذانهم فقط، ولا يفهمون بأذهانهم، وذلك إما لانشغالهم بأمور أخرى،
أو لقساوة قلوبهم من جراء انصبابهم السابق على المعاصي. وهؤلاء يكونون كأنهم لم يسمعوا.
وتظهر عدم استفادتهم سريعا، لأنهم لم يذوقوا من لذة هذا الطعام الروحي شيئا.
شبه المسيح هؤلاء ببذار يقع على الطريق فيداس ويخطفه الطائر بأقرب وقت، فلا يأتي بثمر.
أما القسم الثاني من سامعي التعليم، فهم الذين يفهمونه ويقبلونه بفرح. لكن فرحهم سطحي ووقتي.
هؤلاء لم يحسبوا حساب النفقة، ولم يستعدوا لاحتمال المقاومات الداخلية والخارجية
التي تترصد كل محبي كلام الله.
لذلك عند وقوع الضيقات يرتدون عما كانوا أولا يتباهون ويفرحون به.
ويشبه المسيح هؤلاء بالزرع الذي يقع على الأرض الخفيفة، التي قعرها صخر،
هذا الزرع ينبت سريعا لعدم عمق التربة، ثم يجف عند وقوع حرارة الشمس عليه، فلا يأتي بثمر.
القسم الثالث هم الذين يفهمون التعليم ويقبلونه بفرح،
ويثبتون في وجه المقاومات غير متزعزعين من الاضطهادات والخسائر التي تنتج عنها.
لكن ثباتهم هذا ناتج عن عنادهم الطبيعي، إذ يحسبون أنفسهم شهداء الدين،
فلا يأتون بثمر (أي لا يمجدون الله ولا يفيدون الناس) لأنهم منهمكون بأمور الدنيا.
إن كانوا من الفقراء فهمهم عوزهم، أو من الأغنياء فهمهم مقتنياتهم وأشغالهم الكثيرة.
ويشبههم المسيح بالزرع الذي ينمو جيدا وتظهر فيه للناظرين كل علامات الأثمار،
ولا يعرف عدم إثمارهم إلا يوم الحصاد، إذ تكون السنابل فارغة،
لأن الأشواك والأعشاب البرية تغلبت على الزرع وخنقته، فلم يثمر.
القسم الرابع والأخير من سامعي التعليم الإلهي هم السالمون من العيوب التي مر ذكرها.
هؤلاء يطلبون أولا ملكوت الله وبره،
فلا يلتهون عنه بأمور العالم، أغنياء كانوا أم فقراء. ولذلك لا يبالون بضيقاتهم (رومية 5:3).
وبالطبع يفهمون جيدا ما يسمعونه، فيأتون بثمر كثير لمجد الله وخير الناس.
أما أثمار هؤلاء فتكون على درجات متفاوتة،
تتبع المواهب والفرص المتنوعة وموافقة الأحوال التي يوجدون فيها.
فشبه المسيح هؤلاء بالزرع في الأرض الجيدة، الذي يثمر ثلاثين ضعفا وبعضه ستين وغيره مئة.
وفي تفسير هذا المثل أعطى المسيح مفتاحا يساعد كثيرا على تفسير سائر الأمثال التي وردت بلا تفسير.
لما ابتدأ بالمثل نبه السامعين بقوله: "اسمعوا، هوذا الزارع قد خرج ليزرع".
ولما انتهى المثل نبههم ثانية بندائه: "من له أذنان للسمع فليسمع".
† "تعرفون ألحق والحق يحرركم" †