موضوع: رحلة في لاهوت الأسبوع العظيم :الحلقة الاولى الأحد أبريل 13, 2014 4:09 am
رحلة في لاهوت الأسبوع العظيم
الحلقة الأولى :
يا سيد، "الذي تحبّه مريض" ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يروي لنا البشير يوحنا حادث إقامة لعازر، أخا مريم ومرثا، وصديق الرب يسوع في بيت عنيا ، قبل دخوله الأخير أورشليم بقليل .. يسوع يسمي موته " نوماً " وإقامته " إيقاظاً " ! تستقبله مرتا ومريم ويسجدان له، يسوع يطلب أن يرفعوا الحجر عن باب القبر ، فتقول أخت لعازر : قالت مرثا: "يا سيد لقد أنتن لأن له أربعة أيام!"
يقول المغبوط أوغسطينوس معلقاً " أن إقامة لعازر من الأموات ليس موضوع دهشتنا بل موضوع فرحنا. فليس من المدهش أن ذاك الذي يخلق بقوته أناسًا يأتي بهم إلى العالم أن يقيم ميتًا، لكنه أمر مفرح أنه يهبنا القيامة ويمتعنا بالخلاص ".
لقد ذكرت الأناجيل إقامة الرب يسوع لابنة الرئيس في المجمع ( مر 5 ) ولإقامته ابن أرملة نائين الوحيد ، وكلاهما لم يُدفنا بعد. أما لعازر فكان قد دفن منذ أربعة أيام .. لقد أنتن في القبر. تبدأ القصة بصلاة للأختين مريم ومرتا ما سمعت اجمل وأبسط منها " يا سيد هوذا الذي تحبه مريض " ... مملوءة تواضعًا مع ثقة وتسليم للأمر بين يديه بأنه لن يتخلّى عنه وعنهما، وبأنه حتماً سيفعل شيئاً. لم تكن رسالتهما هذه تحمل شيئاً عن هول المرض أو خطورته ، بل تحمل ثقة مطلقة بأن الرب يعلم ما هو كائن وما سيكون. ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على سبب ذكر البشير يوحنا لمحبة المسيح تجاه لعازر بالقول : " ليعلمنا ألا نستاء أو نترك الرب عند حدوث مرض للرجال الثابتين في فضيلتهم المحبوبين عند الله".
كان رد يسوع أبسط " هذا المرض ليس للموت بل لمجد الله ، ليتمجد ابن الله فيه " .. يليق بنا أن ندهش من أختي لعازر، فبعدما سمعتا أن المرض ليس للموت ورأتاه ميتًا لم تتعثرا، مع أن ما حدث كان على خلاف ما قيل. مع كل هذا جاءتا إلى الرب ولم تفكرا أنه تنطقا بشيءٍ باطلاً ( القديس يوحنا الذهبي الفم ). وبحسب المغبوط أوغسطينوس فإن تمجيد الله لا يضيف له شيئاً لأنه كلي المجد ، بل لأجل نفعنا نحن بهذا المجد.
ماطل يسوع في الذهاب إلى لعازر ، وهو يعلم أنه مات ، حتى كان له أربعة أيام ميتاً .. مكث في الموضع الذي كان فيه يومين آخرين، بل ونعرف من الإنجليين الآخرين الثلاثة أن يسوع لم يتوقف عن مساعدة المحتاجين في طريقه نحو بيت عنيا ( رغم أنهم لم يتطرقوا لحادثة إقامة لعازر ) فقد شفى أعمى أريحا في الطريق والتقى بزكا العشار أيضاً .
قال لتلاميذه " لنذهب إليه " ، وليس لنذهب لتعزية أختيه .. يسوع عارف أين يذهب ومن يطلب ..ويرى المغبوط أغسطينوس أن الأربعة أيام التي عبرت بلعازر في القبر تشير إلى مراحل البشرية. اليوم الأول هو يوم سقوط آدم وحواء حيث ملك الموت على آدم وبنيه. واليوم الثاني يشير إلى الإنسان وقد كسر الناموس الطبيعي الشاهد لله. واليوم الثالث يشير إلى كسر الناموس الموسوي، وأخيرًا جاء اليوم الرابع حيث كُرز بالإنجيل، ووهب السيد المسيح الحياة الجديدة المقامة للموتى في الخطايا. هذه قراءة جميلة للحدث في ضوء تاريخ البشرية الكتابيّ.
يركز البشير يوحنا على لقاء مريم ومرتا بالرب، فرغم ألمهما لموت أخيهما لم يتذمرا من تأخر الرب في المجيء، دون أن يخطر في بالهما أنه سيعود حياً بعد لحظات، وفي ذلك كل العبرة لنا نحن الذين لا نكف عن التذمر والتأفف والإعتقاد بأن الرب تركنا لدى عدم تلبية متطلباتنا ! مريم ومرتا سجدتا ليسوع وقالتا " لو كنت ههنا لم يمت أخي " .. الحدث هام جداً وقد يغيب عن ذهننا في قراءتنا للنص وتركيزنا على حدث قيامة لعازر نفسه ، فلا ندرك تلك القيامة التي كانت تعيشها مرتا التي قامت ونهضت تاركة المعزين والتعزية وذاهبة لملاقاة يسوع ( وهذا يخالف كل عادات التعزية والموت في بلادنا وتقاليدنا ، إلا أن الإيمان بيسوع حرك مرتا وجعلها تنقض كل العادات المميتة " دع الموتى يدفنون موتاهم اما أنت فتعال اتبعني " ). ثم لحقت بها أختها حتى ظن المعزون انهما ذاهبتان لتبكيا فوق القبر.
لم تطلب مرتا ومريم من الرب يسوع صراحة أن يقيم لعازر، لم تتجرءا وتطلبا شيئاً بل تركتا له أن يحكم في الأمر بكل إيمان وتواضع في قولهما " لكني الآن أيضًا أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه ". فأين نضع نفوسنا عندما نطلب من الرب مزايا وعطايا خاصة وكأننا نضعه امام احتياجاتنا ليلبيها لنا وتُسرّ نفوسنا بتحقيقها وليس بتحقيق إرادته هو .
وكان رد الرب " سيقوم أخوك "، مع انهما لم يفهما انه سيقوم فوراً، لكن هل لنا ان نتصور نفوسنا في نفس الموقف وقد فقدنا أقرب الناس لنا ، وفي غمرة هذا الحزن يأتينا صوت الرب بأن الراقد سيقوم! هل نجد تعزية وسلاماً أم ان اليأس هو سيد الموقف في آلامنا؟
لم يكن يسوع متسرعاً ولا يذكر النص انه كان يتصرف بسرعة بل بكل هدوء، كان يريد أن يطلب اليهود أن يروا الآية وليس ان يستعرض مجده امامهم. " بكى يسوع " ، وكما جاء الفعل في اللغة اليونانية يوضح أن بكاء الرب كان مختلفاً ، فهو لا يصرخ كمن لا رجاء عنده بل يعبر الفعل عن انسياب الدموع على وجنتيه، وقد لاحظ اليهود الحاضرون ذلك وقالوا لبعضهم " انظروا كم كان يحبه " .
أمر يسوع برفع الحجر حتى يرى كل الواقفين أن الجسد ملقىً في القبر ميتًا، كما يشتمون الرائحة، فيتأكدون أنه أنتن، وعند خروجه من القبر لا يظنوا أنه خيال بل هو جسد حقيقي. فجاء اعتراض مرثا غالبًا بعد أن بدأوا يحركون الحجر وفاحت رائحة كريهة.
اعتراضنا على مشيئة الرب ولو كان غير مقصود إنما يؤخر خلاصنا وقيامتنا، ونسمع لوم الرب وعتبه الرقيق " ألم أقل لك إن آمنتِ ترين مجد الله " . هذا العتب الرقيق يدل على مدى ضعف الإنسان وشكوكه، فرغم تمني مرتا ومريم أن يريا اخيهما حياً لكن الشك لم يبرح قلبيهما، فما من إنسان عرف أن شخصاً قد مات ثم قام ثانية ...
لماذا لم يناده الرب ليقوم بدون أن يفتح القبر ؟
لكي يجعل من اليهود الحاضرين شهودًا للمعجزة، فلا يقولون كما قالوا في معجزة الأعمى: "إنه هو"، "إنه ليس هو". فإن أياديهم ومجيئهم إلى القبر تشهد بالحق أنه هو. الرب لم يترك لهم مجالاً للشك. والآن مجيئهم إلى الموضع ورفع الحجر والأمر بحل الميت الذي في الأكفان المربوطة، فإن الأحباء الذين حملوه إلى القبر يعرفون من الأكفان من هو.
هذا الحدث وتعامل الرب معه هو صورة عن القايمة في اليوم الأخير، قيامة نفوسنا وأجسادنا .. كثيرون يقولون كيف سيقوم الموتى الذين رقدوا منذ الأزل ولم يبق منهم شيء ؟ كيف يقوم من قد تحلل وتفسخ ؟ لكن الرب يسوع كان جازماً " انا هو القيامة والحياة " .. حتى لو كان الإنسان قد أنتن في قبر خطيئته.
فهل نصلي اليوم للرب ونعرض أمامه مدى إلحاح مرضنا وخطورته، أو نصرخ مع الأختين المؤمنتين " يا سيد هوذا الذي تحبه مريض " ، هذا إن كنا واثقين بمحبته وبأن كل واحد فينا هو " الذي يحبه " يسوع وبأنه لا بد ان يفعل شيئاً ؟
وهل سنبقى كمريم ومرتا مؤمنين وغيرمتلفظين بالسوء أو بالتجاديف حتى لو حدث غير ما نتوقعه ؟
يا رب لقد انتنت نفوسنا، هلم إلينا " فالذي تحبه مريض "، لو أننا قبلنا حضورك في حياتنا لما عرفنا الموت، ولكننا نؤمن بأنك كل ما تريد أن تفعله فسيكون، ولسنا نعرقل مشيئتك بتذمرنا أو بشكوكنا ، فلتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض ، آمين
نصيف خلف قديس خادم الكل
عدد المساهمات : 6708 تاريخ التسجيل : 10/01/2014 الموقع : الكويت
موضوع: رد: رحلة في لاهوت الأسبوع العظيم :الحلقة الاولى الأحد أبريل 13, 2014 6:56 am
زائر زائر
موضوع: رد: رحلة في لاهوت الأسبوع العظيم :الحلقة الاولى الإثنين أبريل 14, 2014 2:12 am
julie المديرة العام
عدد المساهمات : 11235 تاريخ التسجيل : 03/06/2014
موضوع: رد: رحلة في لاهوت الأسبوع العظيم :الحلقة الاولى الأربعاء سبتمبر 10, 2014 10:06 pm
وحدت يا رب ﻻهوتك بناسوتنا، و ناسوتنا بلاهوتك،
حياتك بموتنا، و موتنا بحياتك،
أخذت ما لنا و وهبتنا ما لك،
لتحيينا و تخلصنا،
لك المجد إلى اﻷبد
امين
سعاد الادارة العامة
عدد المساهمات : 17886 تاريخ التسجيل : 10/01/2014 الموقع : لبنان
موضوع: رد: رحلة في لاهوت الأسبوع العظيم :الحلقة الاولى الأربعاء سبتمبر 10, 2014 10:14 pm