لماذا يصبر الله ؟
لقد أوجد الله الإنسان، وأحاطه بالعناية الإلهية الكاملة، ليكون كشجرة مثمرة صالحة، تأتي بالثمار التي يرجوها الله. لكن كثير من الناس ينمون كأشجار عوجاء، لا تستقيم فوق جذوعها. وكثير من الناس ينمون كأشجار جافة، عيدان صلبة قاسية، تحمل أغصاناً جرداء ، ترتفع كالحراب، بلا ورق ولا ثمر.
وكثيرون يرتفعون كأشجار عظيمة مورقة، لكنهم بلا ثمر لا فائدة فيهم. ومع ذلك فإن هؤلاء جميعاً أفضل من آخرين، ينمون في أرض الله، يمتصون رحيق الأرض، يأكلون خيرها ويستنزفون قوتها، ثم يثمرون ثماراً سامة، تقتل الآخرين ؛
بل أن هناك من يتكتلون ويصنعون من أنفسهم غابة ضخمة مخيفة، تأوي الوحوش والهوام ؛
هكذا نحن البشر في أرض الله، جعلنا بستان الله غابة، بها كل صنوف الشر. فهل يحرق الله الغابة كلها ؟
يتبادر إلى أذهاننا أحياناً أن الله لابد أن يتخذ إجراءاً شديداً، مقابل هذا الشر الصارخ في عالم اليوم. وتأخذنا الدهشة حين نري سكوت الله وصبره على هذا الإنحراف في مسار الإنسان الذي خلق أصلاً ليعبد الله، ويحقق قصده في حياته ؛ لكن المحقق أن لله طريقاً آخراً غير طريق الإنتقام.
ومن المحقق أيضاً أن بحيرة النار والكبريت التي تلقي فيها الأغصان الجافة لتحترق، ليست أول إجراءات الله، بل آخرها. ذلك لأن لطف الله بعباده، وحب الله لخليقته، يشفعان في الإنسان حتي آخر لحظة له على أرض هذا الكون، لعله ينتبه، فيجد سبيلاً للخلاص.