دعوة إلى التوبة!
********
إن الله المحب للبشر، بدافع من محبته لأولاده، يدعوهم للتوبة.
ذلك لأنه "يريد أن الجميع يخلصون" (1 تي 2 : 4)
هو لا يشاء أن يهلك أحد، بل أن يقبل الجميع إلي التوبة
(2 بط 3 : 9)
وهو من أجل خلاصهم مستعد أن يتغاضى عن أزمنة الجهل
(أع 17 : 30)
بل إنه يقول في محبته العجيبة: "هل مسرة أسر بموت الشرير .. إلا برجوعه .. فيحيا" (حز 18 : 3).
هو يحبنا ويريدنا بالتوبة أن نتمتع بمحبته ... يريد بالتوبة أن يشركنا في ملكوته، ويمتعنا بمحبته.
إنها ليست مجرد أوامر يصدرها الله على أفواه أنبيائه القديسين،
بل هي دعوة حب للخلاص:
"توبوا وارجعوا، لتمحى خطاياكم" (أع 3 : 19).
"من رد خاطئا عن طريق ضلاله يخلص نفسا من الموت، ويستر كثرة من الخطايا" (يع 5 : 20).
إذن هذا الأمر من أجلنا نحن ومن خلاصنا، الذي جعله يتجسد ويتألم لأجلنا، والذي لا نستطيع أن نناله إلا بالتوبة.
***
لذلك نرى في دعوته لنا للتوبة، مشاعر الحب!
إذ يقول "ارجعوا إلي، أرجع إليكم" (ملا 3 : 7)
"توبوا وارجعوا (حز 14 : 6)
"ارجعوا إلي بكل قلوبكم ... ارجعوا إلى الرب إلهكم"
(يوئيل 2 : 12 ، 13).
ويقول في محبته على لسان أرمياء النبي:
" أجعل شريعتي في داخلهم، واكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلها، وهم يكونون لي شعبا .. أصفح عن إثمهم، ولا أذكر خطيتهم بعد" (أر 31 : 33، 34).
***
وفي دعوته لنا للتوبة، وعد بتطهيرنا وغسلنا!
إنه يقول: "اغتسلوا، تنقوا، أعزلوا شر أفعالكم .. وهلم نتحاجج يقول الرب، إن كانت خطاياكم كالقرمز، تبيض كالثلج .. "
(أش 1 : 16، 18).
ويقول: "أرش عليكم ماء طاهرا فتطهرون من كل نجاستكم ومن كل أصنامكم أطهركم وأعطيكم قلبا جديدا .. " (حز 36 : 25، 26).
وهو يدعونا للتوبة، لأننا نحن نحتاج إليها فهو يقول:
"ما جئت لأدين العالم، بل لأخلص العالم" (يو 12 : 47)
"لا يحتاج الأصحاح إلي طبيب بل المرضي لم آت لأدعو أبرارا بل خطاه إلي التوبة" (مر 2 : 17).
نعم إن ابن الإنسان جاء يطلب ويخلص ما قد هلك (متى 18 : 11)
هذه التوبة إذن من صالحنا، وليست أمرا مفروضا علينا.
ولنا نحن كامل الاختيار. الله يدعونا للتوبة ثم يقول:
"إن شئتم وسمعتم، تأكلون خير الأرض. وإن أبيتم وتمردتم، تؤكلون بالسيف" (أش 1 : 19،20).
والصالح لنا أن نسمع ونطيع، من اجل نقاوتنا ومن أجل أبديتنا، ومن أجل أبديتنا، ومن أجل أن نتمتع بالله.
هوذا الرسول يمسي دعوته لنا للتوبة "خدمه المصالحة"، وينادي "تصالحوا مع الله" (2 كو 5 : 18، 20).
***
التوبة والرجاء!
التائب هو الذي لا ينظر إلى الوراء بل إلى فوق إلى الله المحب البشر.
التوبة هي عودة إلى النور، هي عبور من الظلمة إلى النور، نور المسيح، كلنا أخذنا هذا النور يوم المعمودية، لكن أما زال مشتعلا فينا؟
أما زال ينير الظلمة التي دخلنا فيها بسبب خطايانا؟
كل إنسان معمد لديه نور المسيح وخصوصا الذي يشترك بجسد المسيح ودمه، أما الذي لا يشترك بهما لا يغذي هذا النور بل يدعه ينطفئ، الإنسان التائب هو الذي يهيء نفسه لاتقاد النور في داخله.
***
التوبة والنور!
من نتائج التوبة أن يسكن فيك نور المسيح، وينضح منك هذا النور، هذه هي علاقة النور بالتوبة، هي علاقة متبادلة، أي إن تبت ستحصل على النور الحقيقي ومن جهة أخرى بدون النور لن تكشف خطاياك ولن تستطيع أن تتوب توبة حقيقية مغيرا ذهنك ومصلحا ذاتك مطهرا إياها ناظرا لفوق إلى العلى إلى الملكوت السماوي.
الإنسان التائب هو الإنسان الذي يمتلك حياة جديدة ملؤها السلام ملؤها المحبة ملؤها التواضع وبالنهاية يكون الملء من روح الله، هذا هو هدف الإنسان المسيحي الحقيقي الذي يسعى لملكوت السموات.
لا تظنوا أن التوبة عمل مؤقت بل هي عمل مستمر حتى نهاية العمر، أي لا يمكننا القول أننا تبنا اليوم فقد خلصنا، طبعا لا ... ومن ناحية أخرى إن لم نكن تائبين العمر كله فلن نخلص، ولن نحصل على النور الحقيقي ولا على ملكوت السموات.
*****
إن مراحم الرب اقوى من كل دنس الخطية.
إن أبشع الخطايا وأكثرها بالنسبة إلى مراحم الله كأنها قطعه طين قد ألقيتها في المحيط. أنها لا تعكر المحيط، بل يأخذها ويفرشها في أعماقه، ويقدم لك ماء رائقا. وقبول الله للتوبة، إنما يكشف عن أعماق محبته الإلهية.
لذلك لا نستكثر خطيتنا على فدائنا بدمه الثمين، ولا نستكثرها على عظم محبته وعظم رحمته. وقد قال احد الشيوخ القديسين:
"لا توجد خطية تغلب محبة الله للبشر إنه هو الذي يبرر الفاجر" (رو 4 : 5)
أقول هذا حتى لا ييأس الخطاة إذا نظروا إلى خطاياهم.
† "تعرفون ألحق والحق يحرركم" †