حضور الروح القدس

حضور الروح القدس حضور الروح القدس 1357363161

في صباح شتوي من العام ١٨٣١، في وسط غابة ساروف، استحق نيقولاوس
موتوبيلوف، وهو من ذوي الأملاك، أن يكون شاهدا ً على ظاهرة أسرارية
سماوية يقوم على خدمتها القدّيس الروسي الكبير سيرافيم، وقد شرح لابنه الروحي
مظاهر حضور الروح القدس ببساطةٍ عجيبةٍ وشفافيةٍ لاهوتية. كتب موتوبيلوف:
"كان يوم الخميس يوما ً غائماً، قد بلغَتْ سماكة الثلج على الأرض نحو ٦٣ سم
فيما استمر هطول ندف الثلج كثيفا ً عندما بدأ الأب سيرافيم حديثه معي.
طلب مني الجلوس على جذع شجرة كان قد قطعه للتو، وجلس هو أمامي.
كنّا في الغابة بالقرب من مسكنه على تلّةٍ تنتهي عند ضفاف نهر ساروف".

قال الستارتس (الشيخ الروحي) الكبير:
_ لقد رغبتَ منذ نعومة أظفارك أن تعلمَ ما هي غاية الحياة المسيحية. وكثيرا ً
ما سألتَ شخصياتٍ روحية ً كبيرة ً عن هذا الموضوع، لكنّ أحدا ً لم يعطِكَ
الإجابة الصحيحة، وهاءنذا الفقير سيرافيم سأشرح لك الآن ما هي بالحقيقة
هذه الغاية.
" إن غاية الحياة المسيحية هي اقتناء الروح القدس"
ثمّ أردف قائلاً:
_ إن الصلاة والسهر والصوم والصدقة وكل الأعمال الصالحة الأخرى التي
تتم من أجل المسيح، إنما هي وسائل لإقتناء الروح القدس، لكن يجب أن تعلم
، أيها الحبيب، أنه فقط عندما يتمّ عمل صالح، ما، من أجل المسيح فانه يجلب ثمار
الروح القدس. إن العذارى الجاهلات في المثل الإنجيلي، بالرغم من أنهنّ بقين
خارج الخدر، لأنهنّ لم يكن لديهنّ "زيت"، أي أنهنّ لم يقتنين الروح القدس.

سألته:
_ ماذا يعني "إقتناء"؟ لا أستطيع أن أفهم.
أجابني :
_ أقتني، يعني أجعل شيئا ً ما مُلكا ً لي، آخذ وأشتري وأجمع. أنت تعلم ماذا يعني
أن أقتني المال، الأمر نفسه ينطبق على إقتناء روح الله. لقد شبّه الإلهُ،_ الإنسان،
يسوع المسيح، حياتنا بالسوق أو البازار، ولذلك هو يطلب إلينا ما يلي:
"تاجروا إلى أن آتي؟. أي استثمروا أوقاتكم، لكيما، بالصالحات الأرضيّة،
تقتنوا السماويّة. والصالحات الأرضيّة هي الأعمال الصالحة، هي الفضائل التي
تكتسب من أجل المسيح وتَضْمَنُ لنا نعمة الروح القدس. إن كل فضيلةٍ تصير
من أجل المسيح تعطينا نعمة الروح القدس. أما أنت فتاجر بتلك الفضائل التي تعود
عليك بربح أكبر. فمثلا ً، الصلاة والسهر يمنحانك نعمة أكبر، إذا ً اسهر وصلِّ.
وإن أعطاك الصومُ أكثر، فلتصمْ. وإن أعطتك الصدقة تصدّق. هكذا، ستتاجر
بالفضائل روحيا ً. وبعد أن تقتني نعمة الروح القدس بهذه الطريقة، وزّعها على
المحتاجين، وربحك سيكون عظيما ً في السماوات.
_ باتوشكا (يا أبتِ، بالروسية)، إنك تتكلم باستمرار عن اقتناء الروح القدس
كهدف للحياة المسيحيّة. ولكن كيف، وأين، أستطيع أن أراه؟
الأعمال الصالحة ظاهرة، فهل يمكنني يا ترى أن أرى الروح القدس أيضا ً؟
كيف يمكنني ملاحظة حضور نعمته في داخلي؟
_ إنّه لأمر بسيط جدا ً قال الربّ لإنّ كل شيء سهل للذين يمتلكون المعرفة.
لقد كان الرسل يمتلكون هذه المعرفة، لذلك شعروا بداخلهم بحضور روح الله،
أرأيت إذا ً يا حبيبي، كم هو الأمر سهل؟
_ بالرغم من ذلك، لا أفهم كيف أستطيع أن أكون متأكدا ً تماما ً من وجودي في
نعمة الروح القدس، كيف أستطيع أن أدرك حقيقة انحداره؟
_ لقد قلتُ لك للتو، يا محب الله، بأنه أمر بسيط جدا ً. ماذا تريد أيضا ً؟
_ أريد أن أفهم الموضوع جيدا ً.
عندها ، أمسكني الأب سيرافيم من كتفيّ بقوة ، قال:
_ نحن اللإثنان موجودان في وسط الروح القدس... لماذا لا تنظر إليّ؟
_ لا يمكني النظر، لأن عينيك تفيضان لمعانا ً، ووجهك صار أكث إشراقً من
الشمس، وعيناي تؤلمانني.
لا تضطربْ. أنتَ الآن تُشعُ نورا ً مثلي. وأنت موجودٌ في فيض الروح القدس،
وإلا لما استطعتَ أن تعاين هذه الحالة.
ثم انحنى ببطء وهمس في اذني:
_ اشكر الربّ على رحمته التي لا تقدَّر نحوك. لاحظتَ أنني حتى لم أرسم إشارة
الصليب، كنتُ فقط أصلي ذهنيا ً في قلبي وأقول:" يا رب، إجعله مستحقا ً لأن يعاين
بوضوح بعينيه الجسديتين حلولَ روحك الذي به أهّلت عبيدك عندما ارتضيتَ أن
تظهَرَ لهم من خلال عظمةِ مجدك". وها هو ذا الربّ، أيها الحبيب، قد استجاب فورا ً
لتوسلاتِ الفقير سيرافيم المتواضعة، فكيف لا نشكره نحن الإثنين على عطيته
التي لا تُقدَّر؟ إنّ الرب نادرا ً ما يظهر رحمته بهذه الصورة، حتّى لنُسّاك البريّة.
ولكن لماذا لا تنظر في عيني؟ أُنظر ولا تخاف، الربّ معك.
بعد هذه الكلمات، ألقيتُ نظرة على وجهه فانتابني خوف أكبر. تخيّل إنّك تتكلم مع
شخصٍ في وضح النهار ووجهه موجود في مركز الشمس الساطعة الضياء...
فترى شفتيه تتحركان ، وترى تغيير تعابير عينيه، وتسمع صوته، وتشعر بأن
أحداً يمسكك بكتفيك، ولكنك لا ترى يديه ولا شكله، ولا ترى حتى نفسك، أنت فقط
ترى نورا ً مبهراً يَفيض حولك وينعكس سطوعاً على بساط الثلج الذي يغطي البقعة
الخالية من الشجر وعلى ندف الثلج المتساقطة عليّ وعلى الستارتس الكبير.
إن المرء ليعجز تماما ً عن وصف الحالة التي كنّا فيها.
سألني الأب سيرافيم:
_ بماذا تشعر الأن؟
_ بغبطةٍ كبيرة.
_ قل لي بالتحديد، بماذا تشعر؟
_ أشعر بسكينة لا يُعبَّر عنها، وبسلامٍ في نفسي.
_ هذا، يا محبّ الله، هو السلام الذي تكلّم عنه السيّد مع تلاميذه:
" السلام الذي أنا أعطيه ليس كما يعطي العالم، أنا أعطيكم"... وبماذا تشعر أيضا ً؟
أجبت :
_ شعرت بحلاوةٍ غير اعتيادية.
_ إنها الحلاوة التي يَذكرها المزمور:" يسكرون من دسم بيتك، وأنت تسقيهم من نهر
نِعمك". نحن الإثنان نشعر بسعادةٍ فائقة لا يمكن لأي لسانٍ أن يعبّر عنها... بماذا
تشعر أيضا ً؟
_ أشعر في قلبي بفرحٍ كبير لا يُنطَق به.
تابع باتوشكا:
_ عندما ينحدر روح الله على الإنسان ويحيطه بملء قدرته، حينئذٍ تمتلئ نفس
الإنسان بفرح لا يوصف، لأنّ الروح القدس يجعل كلّ شيء فرِحاً، ولكن مهما يكن
معزّياً الفرحُ الذي تشعر به الأن من قلبك، إلا أنه لا شيء بالمقارنة مع ذلك الذي
أعَدَّهُ الرب " للذين يحبونه"، بالإضافة إلى كل " ما لم تره عين ولم تسمع به أذن
وما لم يخطر على بال بشر". الآن نحن نُعطى تذوّقا ً مسبقا ً لذلك الفرح.
وبماذا تشعر أيضا ً؟
أجبت:
_ بحرارةٍ استثنائية.
_ كيف، أيها الحبيب؟ نحن في فصل الشتاء جالسَين في فناء القلاية في الغابة،
نطأ الثلج، ومن السماء يتواصل هطول ندف الثلج... فأي حرارة يمكن أن تشعر بها؟
_ أشعر بحرارةٍ كتلك التي تتولد في حمّام بخاري.
سألني الستارتس:
هل تشعر برائحة أيضا ً؟
أجبت:
_ كلا، في الأرض كلها، لا يوجد مثل هذه الرائحة الزكية.
_ أعرف هكذا هو الأمر كما تقول تماما ً، لكنني تعمدت سؤالك لأرى إن كنتَ
تشعر أنت أيضاً بالشيء نفسه. حقا ً إن أزكى رائحة على وجه الأرض لا
يمكن أن تقارَن بهذه التي نُحِسّ بها الآن، لأنّ عبير الروح القدس يملؤنا،
وأي عطرٍ أرضي يمكن أن يُقارَن به؟ قلتَ أن حولنا دفئا ً، لكن انظر! الثلج حولنا
لم يذبْ وما يزال يتساقط من السماء. هذا يعني أن الحرارة لا توجد في الهواء
وإنما في داخلنا. إنها تلك الحرارة التي كانت تدفِئ نُسّاكَ البراري فلا يكترثون
لصقيع الشتاء. كانوا يشعرون وكأنهم يلبسون فراءً دافئا ً، وهذا ما يحدث معنا
الآن لأنه في داخلنا تستقرّ النعمة الإلهية كما قال الرب:
" ملكوت الله في داخلكم "... تُرى هل ستتذكر رحمة الله التي لا توصف التي
ظهرتْ لنا اليوم؟
_ لا أعلم، باتوشكا، إن كان سيؤهلني الرب لأن أتذكر ما أحس به الآن بهذه
الحيوية والوضوح.
_ أنا أعتقد أن الرب سوف يساعدك على الإحتفاظ بهذا الظهور في ذاكرتك دائما ً،
وإلا لما استجاب صلاحُه بسرعة البرق لتوسلات الفقير سيرافيم المتواضعة.
أكثر من هذا، لأن هذه المعرفة (الخبرة) لم تعطَ لك من أجلك فقط، ولكن من أجل
العالم كله، لكي تَثبُتَ أنت في طريق الرب ومن ثم تنفع الآخرين.

البارّ سيرافيم ساروف

حضور الروح القدس 10350437_300702780106215_9142869602177665480_n

حضور الروح القدس 10350437_300702780106215_9142869602177665480_n

» * كيف امتلأ المسيح من الروح القدس وهو مانح الروح القدس؟
» * كيف امتلأ المسيح من الروح القدس وهو مانح الروح القدس؟
» من هو الروح القدس ؟
» من هو الروح القدس
» عمل الروح القدس في القلب