أنواع آلام المسيح (2)
النوع الثاني:
هي آلام الفداء! آلام الصليب والموت! هذه قبلها هو بإرادته وحتمَّها
هو على نفسه تحتيمًا "لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة" (يو12: 27)،
وقبل حتميتها من الآب بحسب مشورة ما قبل الدهور كلها:
"الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها" (يو18:11).
فالصليب محسوب حسابه قبل الزمن: "عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب
من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء. بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب
ولا دنس دم المسيح. معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم
ولكن قد أُظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم" (1بط1: 18 - 20).
وصلب السيد المسيح له المجد على خشبة الصليب، هذا أيضًا كان مرسومًا ومكمَّلًا
في التدبير الإلهي كفعل كامل تم في المشورة العلوية، ولا ينتظر إلا استعلانه بحسب الواقع البشرى.
"... الذين ليست أسماؤهم مكتوبة منذ تأسيس العالم في سفر حياة الخروف الذي ذبح."
(رؤ13: 8).
وهكذا فإن آلام الصليب الفدائية لها في الحقيقة وجهان:
وجه بشع أرضى، يمثله حقد اليهود وشرُّهم المريع وعداوتهم
وكذبهم ونميمتهم، مع ظلم وعنف القضاء الأممي.
ووجه الصليب سماوي، ينضح بالحب والمسرة والبذل الإلهي الفائق الوصف من نحو العالم:
"هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد" (يو3: 16)،
وإنصافًا للحق وتكميلًا للبر الأبدي وخلاصًا عميقًا متسعًا يشمل كل الدهور.
ولكن الوجه البشع الأرضي لم يثنى المسيح قط عن أن يتمم مطالب الوجه السماوي
المملوء حبًا وطاعة ومجدًا وكرامة للآب وخلاصًا عميقًا أبديًا للإنسان!!
لذلك فبسبب حقيقة الوجه السماوي للصليب، صار قبول المسيح لعار الصليب
بكل صنوف المهانة والهوان والإذلال المريع، صار يُعتبر انتصارًا رائعًا
للحب الإلهي ولمجد الله في السماء وخلاص الإنسان على الأرض!!
فالصليب كان طريق الاتضاع، بل والمذلة الإرادية المذهلة التي أوصلت المسيح
إلى قمة الانتصار والمجد السماوي ومعه الخليقة الجديدة، ملايين المفديين من بنى الإنسان
الذين رفعهم إلى ذات المجد وذات الانتصار وأدخلهم معه
إلى الحياة الأبدية في شركة الآب في الفرح الأبدي.