لا يوجد شيء أفضل من أن يحتمل شخص الآلام من أجل المسيح. إنني لا أطوِّب بولس لأنه أختطف إلى الفردوس،
بقدر ما أطوبه لأنه أُلقي في السجن. لا أطوبه لأنه سمع كلمات لا يُنطق بها، بقدر ما أُطوبه لأنه تحّمل تلك القيود.
أما من حيث إن هذه السلاسل هي أعظم من كل هذا، إسمع كيف أنه هو نفسه يؤكد على ذلك،
لأنه لم يقل "أطلب إليكم أنا الذي سمعت كلمات لا ينطق بها"،
لكن ماذا قال؟ قال: "أطلب إليكم أنا الأسير في الرب ...
إنه من الأفضل لي أن أتألم من أجل المسيح، على أن أُكرَّم من المسيح. هذه أعظم كرامة،
وهذا هو المجد الذي يتجاوز كل شيء. فإن كان المسيح قد صار عبداً من أجلي،
وأخلى ذاته وتجرد من مجده، فقد أعلن بهذا أن مجده الحقيقي قد إستُعلن على الصليب،
فقد إجتاز الآلام من أجلي، فلماذا لا أقبل أنا إحتمال الآلام؟"
لتسمعه إذن وهو يقول "أيها الآب .. مجّد إبنك" (يو 17)
ماذا تقول؟ ألم يقودونك إلى الصليب مع لصوص ومجرمين، وعانيت لعنة الموت،
وتعرضت للبصق واللطم، وتدعو كل هذا مجداً؟
يقول نعم، لأنني عانيت كل هذه الآلام من أجل أحبائي، وأعتبر أن هذا أعظم مجد.
فإن كان ذاك الذي أَحبَ أولئك المستحقين النحيب والرثاء، الذي أحبَ التعساء والبؤساء،
وإعتبر المجد بأن يُوجد وسط الآلام، ويتعرض للإزدراء، وعَدَ هذا كله، أكثر إكراماً من جلوسه على العرش الإلهي.
فكم بالأكثر جداً ينبغي عليَّ أنا أن أعتبر كل هذا الهوان بأنه مجد.
يا لغبطة هذه القيود، يا لغبطة هذه الأيدي التي زينتها هذه السلاسل. لم تكن أيدي بولس مستحقة
لمثل هذه الكرامة العظيمة عندما شَفَت المُقعَد في لسترا، بقدر ما كانت وهي موثوقة بالقيود.
فلو أنني كنت أعيش في ذلك الزمان لأحتضنت هذه السلاسل ووضعتها في حدقة عيني.
وما توقفت عن تقبيل هاتين اليدين اللتين إستحقتا أن تُقيدا من أجل ربي وإلهي.
القديس يوحنا الذهبي الفم