لمحة عن الهرطقة التي طالت الروح القدس
أولاً:
المكدونية
سُميّت الهرطقة المكدونية باسم مكدونيوس وهو أحد أساقفة القسطنطينية. الذي انتخب في سنة 342 ويقول في هذا الصدد ثاودوريتوس <<التاريخ الكنسي>> أن الآريوسيين رفعوا مكدونيوس إلى كرسي القسطنطينية ظانين أنه منهم لأنه كان يُجدِف مثلهم على الروح القدس بقوله أنه مخلوق
ولكنهم طردوه عاجلاً لأنه لم يحتمل إنكار لاهوت الابن وقد عُزِلَ نهائياً من قبل الآريوسيين عام 360. ويبدوا أنه لم يكن له دور كبير في الهرطقة التي تحمل اسمه. فليس هناك أي أثر لتسمية محاربي الروح القدس باسمه قبل عام 380 بل كانوا يعرفون باسم pneumatomaques أي محاربي لاهوت الروح القدس. ولا نعرف مدى علاقته ومسؤوليته بالهرطقة ويقول البعض إنه على أثر عزل مكدونيوس من كرسي القسطنطينية رفض قسم من مسيحيي القسطنطينية بخلفه افذكيوس، فأطلق عليهم اسم المكدونيين ثم امتد هذا الاسم لأصحاب الهرطقة إذ كانوا بأغلبهم موجودين في تلك المنطقة.
ثانياً:
التروبيك
فئة أخرى حاربت لاهوت الروح القدس. ظهرت في مصر ويبدو أن حركتهم مصرية محلية. كانوا أولاً محاربي عقيدة نيقية المتعلقة بلاهوت الابن ثم انفصلوا عنهم في سنة 358 ولكنهم بقوا ينكرون لاهوت الروح القدس. لم يكونوا كثيرين ولا ناجحين وقد عمل القديس اثناثيوس الكبير على القضاء عليهم (عقيدتهم). حيث عقد مجمعاً محلياً عام 362 وحكم عليهم محرماً الذين يقولون بأن الروح القدس مخلوق ومفصول عن جوهر المسيح وقد سماهم "التروبيك" في رسائله إلى سيرابيون أسقف قويس نسبة إلى كلمة يونانية تعني اللعب على الألفاظ وتفسير الآيات بغير موضعها. ولولا رسائل القديس المذكورة لما وصلنا حتى اسمهم.
ملخص تعليم الهرطقة
إن هذه الهرطقة بصورة عامة إنكار لاهوت الروح القدس. لكن ليست هناك عقيدة موحدة واضحة وذلك لكثرة التفرعات الهرطوقية وتطورها عبر الزمن.
غير أنها تستند إلى بعض الحجج المشتركة بين الكل. ويمكن القول أن عقيدة التروبيك أوضح من عقيدة المكدونيين التي مرّت في مراحل متناقضة.
أولاً:
التروبيك
يقول التروبيك أن الروح القدس ليس إلهاً كالآب والابن وليس من جوهر وطبيعة الآب والابن وليس شبيهاً بالابن، لكنه من الكائنات الني أُوجدت من العدم، إنه خليقة. وهو ملاك بين الملائكة، وإن كان أرفع بدون شك وأكثر جمالاً من بقية الملائكة، لكنه لا يختلف عنهم إلا في الدرجة، وهو مثل أحد "الأرواح الخادمة" المذكورة في الكتاب المقدس.
ثانياً:
المكدونية
أما المكدونيون فيعتقدون بأن الروح القدس "مشابه" للآب والابن ولكن ليس في جوهرهما وطبيعتهما. إنهم يرفضون إدخال الروح القدس في ألوهية الثالوث الأقداس يؤكدون أن الروح أدنى من الآب والابن في الكرامة وأنه خادم ويطبَّق عليه كل ما يقال عن الملائكة القديسين.
إن تعليم المكدونيين متردد وغامض ومتناقض : فالروح لا يُدعى رباً ولا يُمجد مع الآب وليس هو قوة الله لأنه لا يخلق ولا يعطي الحياة وهو خادم مثل الملائكة، ومع ذلك فلا يعتبر ملاك، ولا خليقة من أي نوع وليس هو "غير شبيه" بالآب والابن وقد قال افستاثيوس أحدهم: "لا أسمي الروح القدس باسم الله ولا أجرؤ على تسميته خليقة".
يستند المكدونيين في هرطقتهم على عبارة المعمودية التي جاء فيها ترتيب الروح القدس ثالث، بعد الآب والابن. وعلى أن الابن هو الحبيب الوحيد للآب وعلى سكوت الكتاب المقدس عن ألوهية الروح القدس.
|