مار سركيس و مار باخوس في طريق الجلجلة
وعندما وصلا إلى قصر الملك مكسيميانوس، استدعاهما الملك إليه، وطلب إليهما مرّة ثانية أن يكفرا بالمسيح فيُعيدهما إلى وظيفتهما. أمّا هما فلم يجيبا طلب الملك وثبتا على محبّة المسيح. فبعد التهديد والوعيد وأمام الثبات العنيد في الإيمان، قرّر الملك أن يرسلهما إلى أنطيوخس حاكم الفرات في سوريا ليحاكمهما.
وكان أنطيوخس هذا رفيقًا لسركيس وهو الذي أوصله إلى هذا المقام. وكان قصد الملك من وراء ذلك أن يزعزع إيمانهما بالاتعاب والإهانات التي يلاقيانها في الطريق والمعاملة القاسية التي يجدانها عند أنطيوخس الذي كان يعدّ أقسى رجل في الإمبراطوريّة.
وهكذا بعد أن ألقي على عنقهما قيدان من حديد، وبعد أن رُبطا بسلاسل من حديد في أيديهما وأرجلهما، أمر الملك بأن يُسلّما إلى مراكز الشرطة في الدولة، ليُنقلا من مركز إلى آخر حتّى يصلا إلى بلاد الشرق إلى عند أنطيوخس على الفرات. وكتب إليه رسالة بشأنهما ليفحص أمرهما ويعاملهما بلطف في بادئ الأمر، وإذا لم يرضخا لإرادته فليعذّبهما فيما بعد أشدّ العذابات
وهنا ابتدأت طريق الجلجلة أمام الشهيدَين. الطريق طويلة وشاقّة. فالمسافة بين نيقوميديا وبين شورا على الفرات، حيث مقرّ أنطيوخس، هي بعيدة جدًّا. فمن نيقوميديا إلى أنقره 200 كلم ومن أنقره إلى قيصريّة الكبادوك 180 كلم. ومن الكبادوك إلى أنطاكية 350 كلم. ومن أنطاكية إلى شورا على الفرات 250 كلم أي ما يقارب الألف كيلومتر
الطريق وعرة أمامهما والجو قاس فوقهما. في مضايق جبال طوروس، يلاقي المسافر أشدّ الأهوال من الذئاب والضباع والأفاعي والثعابين. وهذا الموكب الحزين لهذين القائدين المجرّدين من أسلحتهما والمقيّدين بالأغلال والسلاسل لم تكن لتخفّف من قساوته في الليالي الكالحات إلاّ صلوات الشهيدَين، ومحبّة المسيح المتفجّرة من قلبيهما.
وكما ظهر ملاك للمسيح، في نزاعه في بستان الزيتون، وشجّعه على تحمّل آلامه وموته على الصليب، هكذا كان يظهر لسركيس وباخوس ملاك من السماء، حينًا بعد حين، ليخفّف عنهما وطأة العذاب ويشجّعهما على الثبات في الإيمان.
في إحدى الليالي ظهر لهما ملاك الربّ وقال لهما:
«تقوّيا واثبتا ولا تخافا،
قاتلا الأرواح الشريرة كجنود المسيح الأبطال،
وبقوّة ربّكما تدوسان العدو تحت أرجلكما.
وعندما تُنهيان شوطكما،
تشاهدان ملك المجد يسوع المسيح،
فيستقبلكما بجيش الملائكة الغفير،
ويتوّجكما بإكليل الظفر»
هذا النور الذي هبط عليهما من السماء ملأهما فرحًا وقوّة. فكانا يتابعان سيرهما بسرور ونشاط، ويرتّلان في الطريق تراتيل الحبّ والرجاء:
«أحببنا طريق شهادتك، أيّها المسيح، أكثر من كلّ ثروة،
وإنّنا نتأمّل في شريعتك دائمًا لئلاّ ننسى أوامرك.
فاستجبنا وافتح بصائرنا لنرى معجزات شريعتك»