الصلاة والعبادة تحوّلان الاكتئاب النفسي، تدريجيًا، إلى فرح
للقدّيس بورفيريوس الرّائي
في أيامنا هذه غالبًا ما يشعر النّاس بالحزن واليأس والفتور والخمول واللامبالاة وكلّ ما هو شيطانيّ. تلقاهم مكتئبين، غير راضين، وحزانى. يهملون عائلاتهم، ويُنفقون مبالغ طائلة على المحلّلين النّفسانيّين ويتناولون العقاقير المضادة للاكتئاب. يفسّر النّاس ذلك على أنّه شعور بـ"عدم الأمان". يعتبر إيماننا أنّ هذه الحالات ناتجة عن تجربة شيطانية.
الألم قوّة نفسانية، زرعها الله فينا لخيرنا كي تؤول بنا إلى المحبّة والفرح والصّلاة. إلا أنّ الشيطان نجح في نزع هذه القوة من بطارية نفوسنا واستئثارها للشّرّ. حوّلها إلى اكتئاب وأتى بالنّفس إلى حالة من الفتور واللامبالاة... يعذّبنا ويأسرنا ويجلعنا مرضى نفسانيّين.
هناك سرّ. تحويل الطاقة الشيطانية إلى طاقة خيّرة. هذا صعب ويتطلّب بعض التحضير. التحضير الأساسي هو الاتضاع. بالاتضاع تجتذب نعمة الله. تُسلم نفسك إلى محبّة الله، إلى العبادة والصّلاة. ولكنّك حتّى لو أتممت كلّ شيء في العالم، فإنّك لن تحقق شيئًا ما لم تقتنِ التواضع. إنّ كلّ المشاعر الآثمة والشّعور بعدم الأمان واليأس والخيبة، الّتي تسيطر على نفسك، تزول بالتواضع. إنّ الإنسان الّذي ينقصه التواضع، الّذي هو الأناني، لا يشاؤك أن تقف في وجه رغباته، أو أن تُملي عليه أفعاله. فإنّه ينزعج ويغتاظ ويتصرّف بعنف ويقوى عليه اليأس.
تُشفى هذه الحالة بالنّعمة. يجب على النّفس أن تنعطف إلى حبّ الله. يحصل الشفاء عندما نبدأ بمحبة الله بشغف. لقد حوّل قدّيسون كثر اليأس إلى فرح بمحبّتهم للمسيح، أي إنّهم أخذوا هذه القوة الّتي في النّفس، الّذي شاء الشيطان أن يسحقها، وقدّموها لله فحوّلوها إلى فرح وبهجة. إنّ الصّلاة والعبادة يحوّلان، تدريجيًا، اليأس إلى فرح، لأنّ نعمة الله تُصبح فاعلة. هنا، يجب أن تكون لديك القوة لتجتذب نعمة الله الّتي تساعدك على الاتحاد به. الفن مطلوب. عندما تُسلم نفسك لله وتُصبح واحدًا معه، تنسى الرّوحَ الشّرّير الّذي تسلّل إليك من خلف، وهو سيغادر حين يُحتقر. ثم كلّما زاد تكرسك لروح الله، كلّما قلّ تطلّعك إلى خلف لرؤية الرّوح الّذي يعيقك. عندما تجتذبك النّعمة، تتحدّ بالله. وعندما تُتحِد نفسك بالله وتُسلم نفسك له، كلّ شيء آخر يزول ويُنتسى، وتخلص أنت. إنّ الفن الأسمى، والسّر الأعظم، لكي تتخلّص من اليأس وكلّ الأمور السّلبيّة، هو أن تُسلم نفسك إلى محبّة الله.
العملُ يُساعد الإنسانَ المحبط وكذلك الاهتمامات في الحياة. الحديقة والنّباتات والأزهار والأشجار والرّيف، ونزهة في الهواء الطلق – كلّ هذه الأمور تُطلق الإنسان من حالة الخمول وتُثير لديه اهتمامات أخرى. هذه تعمل كمثل دواء. يستفيد المرء كثيرًا إذا انشغل بالفنون والموسيقى وغيرها. إلا أنّ الأمر الّذي أضعه في قائمة هذه اللائحة هو الاهتمام بالكنيسة، بقراءة الكتاب المقدّس والمشاركة في الخدم اللّيتورجيّة. إذ تدرس كلام الله، تُشفى من دون أن تُدرك ذلك.
دعني أخبرك عن فتاة جاءت لزيارتي. كانت تعاني يأسًا مُرعبًا. لم يكن للأدوية أيّ مفعول عليها. كانت قد تخلّت عن كلّ شيء –عملها، منزلها، واهتماماتها. قُلت لها ما كنت أَعلمُه. حدثتها عن محبّة المسيح الّتي تستأثر النّفس لأنّ نعمة الله تملأها وتغيّرها. فسّرْتُ لها أنّ القوة الّتي تُسيطر على نفسها وتحوّل طاقتها إلى اكتئاب هي شيطانية. فهي ترمي بالنّفس إلى الحضيض، تعذبها وتجعلها عديمة الفائدة. نصحتها بأن تستثمر وقتها بأمور مثل الموسيقى الّتي كانت تستمتع بها في السّابق. غير أنّي أكدت لها أنّ حاجاتها الأساسية هي أن تلجأ إلى المسيح بمحبّة. علاوة على ذلك، أشرت لها أنّ العلاج في كنيستنا، هو من خلال محبّتنا لله والصّلاة، شرط أن يكون ذلك من كلّ القلب.
هذا هو سرّ العلاج. هذا ما تؤمن به كنيستنا.