بالصليب انتصر المسيح على الألم والموت بدخوله فيهما!
**************
هنا معنى بالغ الأهمية يتجلى في الصليب.
لقد دخل البشر بالخطيئة في مملكة الموت
(وبلغة الكتاب والآباء تدعى "الجحيم".
وساد عليهم الحزن والألم والضعف والفناء.
لقد أصبحوا كمن اغلق عليهم في سجن مظلم رهيب.
لقد كان بإمكان الله أن يحررهم من الخارج،
بكلمة منه فقط، بإرادته الفائقة. ولكن محبته دفعته أن يشارك البشر
أولا مصيرهم لكى يوحد ذاته معهم. المحبة تدفع المحب إلى مشاركة المحبوب في آلامه.
هكذا محبة الله "الجنونية" للإنسان، كما نعتها كاباسيلاس،
لم تدفعه إلى إجتياز الهوة الفاصلة بين الخالق والمخلوق وحسب (وهذا هو التجسد)
بل إلى مشاركته أيضا في جحيم بؤسه.
فالإله بتجسده:
"فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهم." (عبرانيين 2: 14).
شاء أن يصير شبيها في كل شيء بالبشر الذين إتخذهم إخوة له:
"من ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء،
لكي يكون رحيما، ورئيس كهنة أمينا في ما لله حتى يكفر خطايا الشعب" (عبرانيين 2: 17).
أن يشاركهم أيضا بكل ما تعرض له هذا اللحم والدم،
من جراء الخطيئة، من حزن وضيق وآلام وموت.
هكذا إكتمل التجسد ودخل ابن الله إلى صميم الطبيعة الإنسانية،
مختبرا إياها بكل شقائه، حتى يشعر الإنسان في حزنه وبؤسه،
في آلامه الجسدية والمعنوية، في نزاعه وموته،
إنه محبوب، وأن الله نفسه شاركه
في ذلك كله.
لقد جعل الله نفسه طريح الألم لكي لا يشعر الإنسان أنه يعانيه وحده
بل برفقة الإله المتجسد الذي عاش آلام الإنسان في نفسه وجسده،
بمعية ذاك الذي كتب عنه: "لأنه في ما هو قد تألم مجربا يقدر أن يعين المجربين"
(عبرانيين 2: 18).
هكذا دخل يسوع المسيح، حبا بالإنسان، مملكة الموت التي كان غريبا عنها إطلاقا،
ليس فقط من حيث إلوهيته التي هي ينبوع الحياة،
بل من حيث إنسانيته أيضا.
فإنسانية يسوع المسيح لم تعرف الخطيئة البتة ولذلك فقد كانت بالكليه غريبة عن مملكة الموت،
ذلك الموت الذي إنجرف إليه الإنسان بالخطيئة.
مملكة الموت هي مملكة الشيطان الذي قتل الناس بالخطيئة،
ولم يكن للشيطان شيء في إنسانية يسوع المسيح البريئة من كل عيب،
ولذا قال يسوع لتلاميذه قبل تسليمه بقليل:
"لأن رئيس هذا العالم (أي الشيطان الذي تسلط على العالم بالخطيئة) يأتي (أي أن يسوع سوف يدخل بالموت إلى مملكته)" وليس له في شيء (يوحنا 14: 30).
في تلك المملكة التي كان غريبا عنها بالكلية، مملكة الموت والشيطان الذي له
"سلطان الموت" (عبرانيين 2: 14).
دخل يسوع حبا بالإنسان سجين ذلك العالم الرهيب.
ولكن مملكة الموت لم يكن بوسعها أن تضبط سيد الحياة والقدوس البريء من الخط.
لذا كان دخول يسوع فيها مقدمة لتحطيمها وتحرير الإنسان منها.
هكذا لما شاركنا الرب في الآلام والموت أعتقنا من الموت والآلام،
ولما أسلم ذاته لذلك العالم الرهيب الذي أوجدته الخطيئة ضرب قوى الخطيئة الكامنة فينا ضربة قاضية.
عندما طرح نفسه في ظلمتنا، أضاءها بنوره،
وعندما شاركنا في موتنا أعطانا حياته.
هكذا تحققت نبؤة أشعياء التي رددها الإنجيل مطبقا إياها على يسوع:
"الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور" (أشعياء 9: 2).
"والشعب الجالس في ظلمة أبصر نورا عظيما والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور" (متى 4: 16).
هذا ما عبرت عنه الرسالة إلى العبرانيين:
"فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما،
لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس" (عبرانيين 2: 14.)
† "تعرفون ألحق والحق يحرركم" †