لماذا قال المسيح أبى أعظم منى
كيف يكون الآب أعظم من الابن وهو الذي أكد التساوي المطلق بين الآب والابن عشرات المرات؟
والإجابة هي بسبب التجسد وإخلائه لذاته من مجده واتخاذه لصورة العبد.
يقول القديس بولس بالروح القدس ” فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضا
الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله
لكنه أخلى نفسه أخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس
وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب
لذلك رفعه الله أيضا وأعطاه اسما فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة
ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض
ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب ” (في5: 211).
+ فما معنى قوله بالروح ” الذي إذ كان في صورة الله “؟
+ وما معنى قوله ” لم يحسب خلسة أن يكون مساويا لله “؟
+ وما معنى قوله أنه ” أخلى نفسه “؟
+ وما معنى قوله ” أخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس، وإذ وجد في الهيئة كإنسان؟”.
+ وهل يعني هذا أن المسيح أخلى نفسه من لاهوته
ومن مجده وعظمته ومن كونه الإله كلي القدرة والوجود
والعلم واصبح مقيدا ومحدودا بحدود الجسد؟
1 صورة الله ” الذي إذ كان في صورة الله “:
يستخدم الرسول بالروح في قوله ” الذي إذ كان في صورة الله ” النص اليوناني ” مورفي
μορφή morphē ” والذي يعبر عن طبيعة الكيان وشخصه (
Marvin R. Vencent’s Word Study in the New Testament Vol. 3 P. 431.)، والذي يشير إلى الظهور الخارجي الذي يوصل للجوهر (
Frank A. Gaebelein the Expositors Bible Commentary Vol. 11 P. 123.)، وهنا يُعبر عن الكيان الجوهري لله (Vencent’s Vol. 3 P. 431.)، ولذا
فالتعبير ” صورة الله ” في هذه الآية مترجم طبيعة “who existing in the nature of God ” و ” He always had the nature of God ” و ” who, existing in the form of God ” و ” To whom, though himself in the form of God “
ومترجم في NIV ” في نفس طبيعة الله In The Very Nature Of God” أي ” الذي إذ
كان في نفس طبيعة الله “(New International Version).
ويسبق قوله ” صورة الله μорφη θεου Morphe Theou ” عبارة ” الذي إذ كان
ός εν Hos en “، و ” كان ” هنا ليست في الماضي البسيط
بل في الزمن التام المستمر والذي يعنى هنا الوجود من البدء، أسبقية الوجود
الذي كان موجوداً دائماً، بصفة مستمرة في حالة الاستمرار، مثل قوله ” في البدء كان الكلمة”.
ويلي ذلك أيضاً قوله أنه، المسيح، ” مساوياً لله ” الآب.
ولا يساوى الله إلا الله، كلمة الله، صورة الله، الذي له نفس طبيعة وجوهر الله.
هو الذي كان دائماً ويكون دائماً وسوف يكون أبداً، الأزلي الأبدي
الذي لا بداية له ولا نهاية، كقول الكتاب المقدس ” يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد ”
(عب8: 13)، وقول الرب يسوع المسيح عن نفسه ” انا الالف والياء.
البداية والنهاية. الاول والآخر ” (رؤ13: 22).
وقوله ” لم يحسب خلسة أن يكون مساويا (isa ισα) لله ”
يوضحه ما سبق أن قاله الرب يسوع المسيح لرؤساء اليهود ”
أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل ” وفهم رؤساء اليهود من قوله أنه يعمل مثل الله
أنه يعنى المساواة المطلقة لله، يقول الكتاب
” من أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه.
لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضا إن الله أبوه معادلا (ison ισον نفسه بالله”.
وقد استخدم الكتاب في كلتا الآيتين نفس التعبير “مساو أو معادل من الفعل
” أيسوس isos ισος ” والذي يعني مساو أو معادل.
أي أنه وهو صورة الله المعبر عن الكيان الجوهري للذات الإلهية ” صورة الله غير المنظور ”
(كو15: 1)، الذي هو الله، الله الكلمة المساوي لله الآب
” بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته ” (عب3: 1)
لم تحسب هذه المساواة التي له مع الآب خلسة
بل هي من صميم ذاته لكنه مع ذلك حجبها في ناسوته متخذا صور عبد.
2 أخلى نفسه:
” لكنه أخلى نفسه أخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس، وإذ وجد في الهيئة كانسان
وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب”.
فما معني ” أخلى نفسه ” هنا؟ يستخدم الكتاب هنا الفعل اليوناني
“ekenosen εκένωσεν ” من الفعل ” kenow κενόω ” والذي يعني يخلي ”
He emptied Himself“. وترجمت في بعض الترجمات بمعني ” أصبح بلا شهرة ”
made Himself of no reputation “، وترجمتها ترجمة WNT ترجمة تفسيرية: ”
Nay, He stripped Himself of His glory, and took on Him the nature of a bondservant by becoming a man like other men“
، أي ” جرّد نفسه من مجده وأتخذ لنفسه طبيعة العبد
صائرا كإنسان مثل أي إنسان ” مثل قوله
” فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح انه من أجلكم افتقر
وهو غني لكي تستغنوا انتم بفقره. ” (2كو8: 9)،
وفسرها الآباء عبر تاريخ الكنيسة بمعنى ” حجب لاهوته
أخفي لاهوته ” في ناسوته، حجب مجده السماوي في ناسوته بإرادته
أفتقر وهو الغني، كما يقول الكتاب، ” من أجلكم افتقر
وهو غني لكي تستغنوا انتم بفقره ” (2كو9: 8).
وهذا واضح من مخاطبة الرب يسوع المسيح للآب
” مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم ” (يو17: 5).
لقد أخلى الرب يسوع المسيح نفسه بمعنى حجب مجده، فهو مع كونه كلمة الله (يو1: 1)
الله الكلمة، عقل الله الناطق ونطق الله العاقل، صورة الله غير المنظور (كو15: 1)
صورة الله المساوي لله الآب (في6: 2)، بهاء مجد الله الآب ورسم جوهرة (عب3: 1)
ابن الله الوحيد الذي هو في ذات الله ومن ذات الله، ” أخلى نفسه وحجب مجده
أخفي لاهوته في ناسوته، حجب لاهوته في ناسوته، قبل على نفسه الحدود
حدود البشرية، حدود الإنسان المحدود بالزمان والمكان، ظهر في الهيئة كإنسان
وهو في ذاته، بلاهوته، صورة الله المساوي لله كلي الوجود، غير المحدود بالمكان
أو الزمان! ظهر في زمن معين ” في ملء الزمان ” (غل4: 4)
ومكان معين على الأرض في فلسطين، وهو، بلاهوته، الذي بلا بداية له ولا نهاية!
ظهر على الأرض متخذا صورة الإنسان المحدود بالطول والعرض
والارتفاع، وهو بلاهوته، الذي لا يحده مكان أو زمان.
قبل الرب يسوع المسيح تطوعاً وباختياره أن يخلي ذاته بأن يحجب
يخفي، لاهوته في ناسوته، أن يحجب، يخفي، مجده وعظمته، كإله
في إنسانيته التي أتخذها من العذراء القديسة مريم، تجسد من الروح القدس
ومن مريم العذراء تأنس ” ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة ” (غل4: 4)
أي تجسد، ظهر في الجسد، حل في الناسوت، أخذ جسداً، أتخذ جسداً
ظهر في الجسد، صورة الله أتخذ صورة العبد، يقول الكتاب المقدس:
” في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله.
هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان.
فيه كانت الحياة 000 والكلمة صار جسدا وحل بيننا
ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة و حقا ” (يو1: 1-4و14).
” وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد تبرر
في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الأمم أومن به في العالم رفع في المجد ” (1تي16: 3).
” فانه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا ” (كو9: 1).
” الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا
الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة.
فان الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية
التي كانت عند الآب وأظهرت لنا.
الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به ” (1يو1: 1-3).
3 الإله المتجسد الذي ينسب ما للاهوته لناسوته وما لناسوته للاهوته (تبادل الخواص والصفات):
كانت نتيجة إخلائه لنفسه باحتجاب، أخفاء، لاهوته في ناسوته
اتخاذه جسدا، حلول اللاهوت في الناسوت، اتحاد اللاهوت بالناسوت
ظهوره في الجسد، أن أصبح الرب يسوع المسيح إلهاً وإنساناً
في آن واحد، الإله المتجسد، له كل صفات اللاهوت
وكل خواص الطبيعة الإلهية، باعتباره الإله القدير
وله أيضا كل صفات الطبيعة الإنسانية وخواص الناسوت
الجسد، الإنسان. كان يعمل ويتكلم كإله وفي نفس الوقت يعمل ويتكلم كإنسان
ينسب ما للاهوته لناسوته وما لناسوته للاهوته باعتباره
الإله المتجسد، المسيح الواحد. وهذا ما يسمى بتبادل الصفات والخواص
Communicattio Idiomatum – The Communication of Attributes، بين اللاهوت والناسوت
أي نسب ماللاهوت للناسوت وما للناسوت للاهوت.
فبحلول اللاهوت في الناسوت، ظهور الله في الجسد
صيرورة الكلمة جسداً، اتخاذ صورة الله لصورة العبد
أتحد اللاهوت بالناسوت منذ اللحظة الأولى للتجسد في رحم العذراء
مثل اتحاد الحديد بالنار، هذا الاتحاد
الذي تتخلل فيه النار
وتتغلغل في كل ذرات الحديد، ومثل اتحاد الروح بالجسد،
في الإنسان، وتغلغلها وتخللها لكل ذرات الجسد
في شخص واحد، هكذا ولد المسيح من العذراء كالمسيح الواحد
والأقنوم والواحد هو الإله المتجسد، بطبيعة
واحدة متحدة من طبيعتين بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير
وبغير انفصال أو افتراق. إله حق، كامل في لاهوته
وإنسان حق، كامل في ناسوته، الإله المتجسد.
4– ولهذه الأسباب قال أبي أعظم مني:
إذاً فقد قال أبي أعظم مني ليس بسبب اللاهوت إنما بسبب اتخاذه للناسوت
فالآب أعظم من الابن كإنسان لا ككلمة الله
بل في حال كونه إنسان عندما وضع نفسه واتخذ صورة العبد
عندما افتقر وهو غني، عندما صار جسداً وحل بيننا.