القديس ثيوفانيس الحبيس
هكذا لبى نداء ربه ذلك الرجل الذي قال يوماً :
"لا تجتذبكم الارض كل شىء فانٍ .
وحدها سعادة ما بعد القبر أبدية ثابتة وحقيقية ،
وهذه السعادة متوقفة على الحياة التي نحياها ! "
رقد القديس ثيوفانيس بالرب عن عمر التاسعة والسبعين في السادس
من كانون الثاني 1894 ،
وترجع صدى هذا الحدث في الأرثوذكسية حمعاء .
ذلك أن رجال الكنيسة كافة فطنوا بعمق إلى ما يمثله هذا الرجل من قيمة روحية
لا تعوض خسارتها _ ولو إلى حين _
وهو من غير شك على قدم المساوات مع كبار اّباء الكنيسة الأولى .
أما رئيس دير فيشا ورهبانه فقد شعروا بالحزن لفقدهم صديقاً حميماً .
وأما العدد الكبير من الناس الذين اتخذوه مرشداً روحياً من غير ان يروا وجهه على حياته ،
فقد ألقت وفاة ثيوفانيس على كاهلهم عبقاً أثقل وأضنى .
ظل القديس ثيوفانيس مسجى ثلاثة ايام في كنيسته الصغيرة ، وثلاثة اخرى في الكاتدرائية .
وخلال تلك المدة لم ينل منه الفساد بل أشبه برجل يغط في النوم قرير العين ناعم البال .
وفي اليوم الثاني عشر من شهر كانون الثاني ، حضر المطران ايرونيموس من تامبوف برفقة كهنة
ومرتلين ، وأقام خدمة الجنازة عقب القداس الإلهي في الكنيسة .
ولما انتهى الراغبون في تكريم البقايا من تحيتها والتبرك منها ،
نقل التابوت إلى كاتدرائية قازان حيث دفن في احد مدافن كنيسة فلاديمير تحت الارض .
وشارك في مراسم الدفن شعب غفير ممن لم يستطيعوا الدخول إلى الكنيسة للجنازة ،
والجميع في بكاء ونحيب .
وفيما غير الموكب الجنائزي انضم إليه الناس زرافات ،
وهم يحملون تلك الحقائب التقليدية المصنوعة
من شجر البتولا التي يحملها الحجاج على مناكبهم .
منهم من قطع مسافة مائتي فرسخ ( يساوي الفرسخ كليومتراً ونيف )
على الاقدام ومنهم ثلاثمائة رغبة في تقديم احترامهم له
والصلاة لراحة نفسه ولطلب صلواته من اجلهم امام عرش الله العلي .
القلاية :
فتحت قلاية القديس ثيوفانيس ابوابها عقب موت القديس ،
بعد اغلاق دام اكثر من عشرين سنة .
ويستطيع الزائر ان يشاهد من الخارج جناحاً من طابقين ملاصقاً للسور المحيط بدير فيشا .
يحوى الطابق الحجري السفلي مخبزاً للقربان ، وفي الطابق الثاني الخشبي الغرف
التي شغلها القديس ثيوفانيس الحبيس .
هذه ضربت جدرانها الخشبية العارية الى السواد مع مرور السنين .
الأثاث والتجهزات عمرهما بعمر الزمن وهما على ابسط ما يكون :
خزانة مزاوية من الخشب لا زخرف فيها لا تساوي روبلاً واحداً
حتى في تلك الايام ، وأخرى ذات أدراج تساوي روبلين وطاولة هرمة بسيطة ومقرأ قابل للطي .
إلى ذلك سرير حديدي وأرائك خشبية لها مقاعد تنك .
الأثاث كله قديم ولكنه نظيف وبسيط ،
فيه البخس الثمن وفيه المصنوع باليد ،
ناهيك عن معدات للنجارة وتجليد الكتب واّلات التصوير .
هنا عاش رجل أمضى السنوات العشرين الأخيرة من حياته ناسكاً حبيساً ،
إلا ان شهرته وقوة كلامه طبقتا الآفاق ،
زد على ذلك التأثير الذي أحدثه الكتابان الصادران عنه بعد ترجمة
وتنقيح وإعادة صياغة ،
وهما " الفيلوكاليا " الروسية و " الحرب اللامنظورة " .
إعلان قداسته :
في العام 1988 إثر الاحتفالات بالذكرى الألفية لمعمودية الشعب الروسي ،
أعلنت قداسة المطران ثيوفانيس الحبيس بموجب القرار التالي :
" لقد خلا للروح القدس ولنا أن يطوب المسيحيون الغيورون على التقوى الآتية
أسماؤهم ليوقروا في الكنيسة الروسية جمعاء ...
الاسقف ثيوفانيس الناسك ( 1815 _ ( 1894 )
أمضى ثمانية وعشرين سنة من حياته في صومعة فيشينسسكايا
بعد خمس وعشرين سنة من الغيرة والخدمة المثمرة والمتعددة الاوجه في كنيسة الله .
ومن خلال مراسلاته الكثيرة ساهم الاسقف ثيوفانيس في النهوض
بمجتمعه روحياً في إرشادته وكتاباته التفسيرية .
لاهوتي وعالم في حقل تفسير الكتاب المقدس ،
إن فهمه العميق للتعليم المسيحي وكيفية تحقيقه في حياته التي عرفت سمواً روحياً وقداسة ،
يدعونا الى اعتبار مؤلفاته نمواً في التعليم الآبائي بنفس الصفاء الارثوذكسي في معرفة الله ... "
فبشفاعة قديسك ثيوفانيس ايها الرب يسوع المسيح إلهنا ارحمنا وخلصنا اّمين .