من أهـمِّ العبـارات التي نكـرِّرهـا في صلـواتنـا الـفرديـة وطقوسـنا الجماعيـة هـي عبـارة "ملكـوت الله".
فنحـن كـلّ يـومٍ نصلّـي "أبـانـا" ونُـردِّد "ليـأتِ ملكوتـك"، ونفتتـح القـدّاس بـ "مبـاركـةٌ هي مملكـة (ملكوت) الآب والابن والرّوح القدس".
لكـن بمقـدار مـا هـذه العبـارة مهمـة، بمقـدار مـا يُسـاءُ فهمهـا أحيـانـاً.
كانت بشارة يسوع وكرازته بـ "ملكوت"،
وبدأ هو يكرز "توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات"، تماماً كالسّابق يوحنا المعمدان.
ولكنّ الملكوت الذي دعا إليه يسوع كان مغايراً جداً للمملكة التي كان ينتظرها الرؤساء بين اليهود، لهذا أعلن لبيلاطس: "مملكتي ليست من هذا العالم".
قبل آلامه صرخ يسوع بتلاميذه الذين سألوه: "متى يأتي الملكوت؟"
"إنَّ بين الموجودين هنا مَنْ لا يرى الموت قبل أن يرى ملكوت الله آتيـاً بقـوةٍ جليَّـاً ".
يشـرح الآبـاء القدّيسـون هـذه العبـارة، أنّ يسـوع كـان يعنـي بـ "ملكوت الله" هنـا <<حـدث التجلِّـي>> الذي تـمَّ بعد قليل،
أو أيضاً <<حـدثَ موتِه وقيامته وتأسيس الكنيسة في العنصرة>>.
الأمور التي شهدها الذين كانوا معه في جيله.
ملكـوتُ يسـوع إذاً هـو حالـةُ "مجـدِه" الظاهـر للنـاس.
وهذا المجد الظاهر لا يعني مجـرَّد إعلانٍ، بـل هبـة.
فالإنسـان عندما "يُعـايـن" مجـد الله لا يعني أنـه يشـاهده بـل يختبـره.
عندما رأى بطرس مجدَ يسوع على ثابور، خَبِر منه خبرةً جعلته يصرخ
"يا سيِّد ليتنا (حسناً أن) نبقى ههنا".
ما نسـميـه رؤيـة مجـد الله يعنـي اختبـار حيـاة الله في سـعادتهـا ووحـدتهـا ومحـبّتهـا
ملكـوت الله ليـس حالـةً أو مكانـاً هناك أو فيما بعد، بـل هـو حالـة العشـرة مع الله ومشـاركتـه حيـاتَـه في حياتنـا هنـا.
"ليـأتِ ملكوتـك" تعني أيضـاً بالـوقت ذاتـه حالـة "الانتظـار" والـترقّـب لحلـول ملكـوت الله بالكلّيـة عنـد المجيء الثانـي.
"ملكوت الله في داخلكم"، عبارةٌ تفسِّر معنى الملكوت بوجهيه، حالة الانتظار للمجيء الثاني وحالة حياة الإنسان في خبرة النعمة.
حين يشرح الآباء القدّيسون هذه العبارة الغريبة: "ملكوت الله في داخلكم"، يشدّدون أولاً أنّ اختبار الملكوت هو مسـألةٌ روحيـةٌ داخليـة تتمُّ في القلب وليس في بلدٍ أو بقعةٍ جغرافيةٍ أو فترةٍ زمنيَّةٍ محدَّدة...
ملكوت الله حاضرٌ عندما نجعل يسـوع مالكـاً -وحـده- في قلوبنـا!
"ملكـوت الله طُهـرٌ وبِـرٌّ وسـلام".
وثانياً أنّ العبارة "في داخلكم" تعني: "فيما بينكم"، أي في اجتماع المؤمنين كـ "كنيسة".
من كتاب "السائحان بين الأرض والسماء"
***للمطران بولس يازجي ***