تفســير القــداس
بحسب طقس الكنيسة السريانية الارثوذكسية الانطاكية
بقلم المطران اسحق ساكا
كيفية بناء الكنائس –
معنى الكنيسة:...
ان لفظة الكنيسة تطلقها اسفار العهد الجديد على جماعة المسيحيين،
ثمّ طبّقت على المعبد الذي يجتمع فيه المسيحيّون لاداء فروض العبادة الدينيّة،
وقد جمعت اللغة السّريانية هذين المعنيين بلفظة (عيتو) ومعناها جمع،
وهي تختلف عن لفظة (كنوشتو) التي يعني بها جماعة اليهود وكنيستهم ( المباحث الجلية ص 56 ).
تقدّس الكنيسة بصلوات خاصّة تعرف بطقس التقدّيس ( التّكريس ) وتمًسح جدرانها الاربعة بالميرون
المقدّس. والتقدّيس والمسح محصوران بالاسقف وحده وقد تتدنّس بحادث ما كأن يدفن فيها كافر غير
معتمد، او يجري فيها حادث سفك دم، فتتلى صلوات اخرى خصوصيّة لزوال تدنيسها، ويزول تقديسها
نهائيا اذا انهدمت او تركت.
هيئتها العامة:
استمدّت الكنائس شكل هندستها عن المعابد التي شيّدت في القرن الرابع الميلادي
على عهد قسطنطين الملك الذي قلّد في بنيان كنائسه شكل المباني العامّة الدارجة في المملكة الرومانيّة
المعروفة بالبا سيليكات أي المباني الملكّية او القيصريّة.
فرض ان تبنى الكنيسة مستطيلة الشكل متتّجهة نحو المشرق، اشارة الى اشراق شمس البر المسيح.
ويتالّف جسم الكنيسة في الاصل من قسم واحد، ثم جعل له جناحان يفصلهما عنه صفّ من الاعمدة تعلوها
قناطر من الشرق الى الغرب. ويكون سقف الجسم اعلى من سقف كلّ من الجناحين.
وللكنيسة مدخلان خارجي وداخلي تفصل بينهما الابواب الكبرى.
فالمدخل الخارجي مؤلّف من ساحة مكشوفة محاطة بالاروقة من كلّ جهة،
كان يقف فيها الموعوظون والتائبون المعروفون بالسامعين وسائر الذين كان يحظّر عليهم حضور القدّاس،
وفي فنائها كان يركّز حوض ماء يغسل فيه الداخلون ايديهم ووجوههم قبل الدخول الى الكنيسة للدلالة
على تنقية القلب.
اقسامها:
جعلت الكنيسة ثلاثة اقسام: القسم الاعلى وهو لجهة الشرق ويسمّى (قودوشه) أي بيت الاقداس او قدوش
قٌودشِين أي قدس الاقداس لايدخله سوى رجال الاكليروس.
وهو ارفع من القسم الثاني يرقى اليه بدرجة او درجتين،
وسطه تقام المائدة(1) "فوتورو" او "مدبحو" أي المذبح ويوضع وراء المائدة
في الصدر وعلى مرتفع كرسي للاسقف احتراما للكهنوت الحاوي السّلطان الالهي،
ويجعل درجة تحته ليعلم الجالس عليه انّه لا يرقى اليه الا بالفضائل.
ويكون في وسط الحاجز الذي بين قدس الاقداس والهيكل ومن جانبيه ابواب ثلاثة،
الوسط ويدعى الباب الملكي وبابان على الجانبين.
ولا يجوز لاحد الدخول من الباب الملكي سوى الشمامسة والكهنة والاساقفة
في اوقات معيّنة وفي اثناء قيامهم بالحفلات المقدّسة، وهم مرتدون حللهم الطقسية الكاملة ما عدا
الاساقفة، وعدم السماح للدخول منه لايّ كان الا لذوي الرتب الكهنوتيّة
فقط اشارة الى ان الدخول الى المنازل الالهيّة والى الملكوت السماوي
يكون حصرا في الذين ارضوا الله باعمالهم الصالحة وملاؤا مصابيحهم بالزيت
وعاشوا مسيحيين بالفعل اما الذين عاشوا مسيحيين بالاسم فقط فالباب موصد في وجههم.
اما البابان الجانبيّان يستعملان لاجتياز كلّ الذين يخدمون في الهيكل
وهما يمثّلان ابواب الفردوس الارضي التي اغلقت منذ ان اخطأ ابوانا
الاولان ونصب ملاك لحراستها.
ويسدل على هذه الابواب ستائر لحجب المائدة عن ابصار المؤمنين في اوقات معلومة.
ويوضع في وسط الباب المتوسّط المسمّى الباب الملكي منبر صغير من خشب يقال له في السريانية
"كوغولتو" أي الجلجلة ليوضع عليه كتاب الانجيل المقدّس. ويكون ظاهر الكتاب مغشّى بصفحة من
الفضة المذهبّة مرسوما عليها الصليب ليقبّله المؤمنون تبرّكا وصور الانجيليين الاربعة وقد نهى مار
يعقوب الرهاوي الرجال العلمانيين من دخول المذبح (2) اماالنساء فمحظور دخولهنّ كلّيا.
القسم الثاني:
يلي المذبح وبيت الاقداس ويسمى الخورس "قسطرومو"،
ومعناه المرتفع عن صحن الهيكل، يرقى اليه من صحن الهيكل بدرجة واحدة وهو خاص بالقسوس
والشمامسة توضع فيه المقرءتان "كوده" لتلاوة الطقوس اليومية، وترمزان الى جوقتي الملائكة اللّتين
رآهما مار اغناطيوس النوراني ثالث بطاركة انطاكية
وهكذا رأى اشعياء الملائكة فقال ( وهذا نادى ذاك ) اش 6: 3.
القسطروم لاباب له اشارة الى الذين يمثّلون دور الطفولية والبساطة الذّين لايرقون الى مستوى الأبرار
لأنهم لم يعملوا في كرم الكنيسة بتعب وجهد ولا ينحدرون الى مستوى الأشرار
لأنهم لم يخطئوا ولكنّهم يرثون ملكوت الله بالنعمة،
ولأن ابواب الملكوت لا توصد في وجوههم لذلك جعل القسطروم بدون باب.
القسم الثالث: هيكل الكنيسة "هيكلو" الهيكل أو صحن الكنيسة
وهو الجزء الأكبر والأوسع وهو مخصّص لوقوف جماعة المؤمنين العلمانيين
وقد أفرز الكتاب الثاني من مجموعة المراسيم الرسوليّة محّلا خاصا منه للرجال،
وآخر للنساء. يفصل بين المحلين حاجز من خشب على ما أشار ألذهبي فمه في احدى خطبه،
وله باب أو أبواب غربية وشماليّة وجنوبيّة وقد جعل هنا أبواب عديدة لا واحد وهي مفتوحة على
مصراعيها للجميع للأبرار والخطاة ولمختلف الفئات والأصناف وهي تشير الى رحمة الله الواسعة
واحساناته الغزيرة الوافرة التي تسكب على الكل بدون استثناء في هذه الحياة.
فالكنيسة تحتضن أبناءها وتوجههم نحو الّبر والصلاح وتبصّرهم بنتائج الخطيّة العظيمة
وتحثّهم عن الابتعاد عنها استعدادا للدخول الى ملكوت السموات من بابه الواحد الضيق.
يقام في وسطه تجاه المائدة "بيما" أي المنبر وهو مكان مرتفع يرقى اليه بدرج من جهة المشرق أو من
جهة المشرق والمغرب معا، ويكون مسطحه مستويا ليجلس عليه او ليقف فيه الاسقف او
او الواعظ. وقد أمر الله بصنعه ووضعه قديما في المسكن كما صنعه سليمان في البيت الذي بناه.
وبحذاء الهيكل يعلّق الناقوس"نوقوشو" تنبيها للمؤمنين للاجتماع للصلاة، وقد ورد في التقليد الكنسي أن البيعة تدّق الناقوس كما كان يفعل نوح البار ثلاثا في النهار لاجتماع الفعلة لعمل الفلك وللاكل وكان الله تعالى قد أمر اليهود أن يجعلوها كالابواق ينفخ فيها الكهنة لمناداة الشعب وكسر الأعداء (3) عدد10: 1 وفي احدى زواياه يقع بيت المعمودية "بيت معموديتو".
ولنأتي الآن الى تفسير تقسيم الكنيسة على النحو المار ذكره مستندين الى ما أورده ألعلاّمة مار ايوانيس الداري في مقدّمة تفسيره للقداس، قال:
جعلت الكنيسة ثلاثة أقسام للأسباب ألتالية:
أولا: تشبّها بالمسكن الذي أمر الله موسى باقامته في ثلاثة أقسام هي:
قدس الأقداس: ويمثّله عندنا المذبح أو بيت الأقداس.
بيت الخدمة: ويمثّله الهيكل.
والدّار المحيطة بقدس الأقداس.
وكما وقف الشعب اليهودي في الدار، كذلك يقف المؤمنون في صحن الهيكل، وكما وقف الكهنة واللاّويون في بيت الخدمة هكذا يقف الكهنة والشمامسة في القسطروم، وكما كان كبير الكهنة وحده يدخل الى قدس الأقداس كذلك يقف الكاهن المقرّب وحده على درجة المذبح.
ثانيا: تشبّها بكنائس الملائكة الثلاث، العليا والوسطى والسفلى، فيشير قدس الأقداس الى الكنيسة العليا التي تضّم السرافيم والكروبيم والعروش، والقسطروم الى الكنيسة الوسطى التي تحتوي على السادات والسلاطين والأجناد والهيكل الى الكنيسة السفلى التي تضّم الرئاسات ورؤساء الملائكة والملائكة.
ثالثا: لان في الكنيسة ثلاث مواهب روحية وهي، الكمـال، والاستنارة والتقديس. فالكمال هو جعل خليقة الله الجديدة كاملة ولا سيما بالمواهب الروحيّة. والاستنارة هي الابتعاد عن الجهل الروحي والدنو من المعرفة الحقيقيّة. والتقديس هو الذي يتّم بالمعمودية، من سائر الخطايا والأثام.
رابعا: لأن الانسان الأول ارتكب الخطيئة بثلاثة امور، أي بعقله، وبنفسه وجسده ولمّا تجسّد الإله افتداه بثلاثة امور مقابلة أي بالعقل لانه غفر له، وبالنفس لأنها كانت وسيطة بين العقل والجسد، وبالجسد لأنّه اتخّذه ليخفي وراءه الالوهة، فلا تظهر للشيطان فيتقدّم للحرب ضد الله ويُقهر، وبذلك يفوز الجنس البشري بالخلاص.
وبعد ان يشرح الملفان الداري سبب جعل الكنيسة ثلاثة اقسام، يعود فيتساءل:
لماذا وضعت حدود بين قدس الاقداس والقسطروم والهيكل والدار الخارجية؟
فيجيب ذلك لان مخادع الكاملين مفصولة عن مخادع العادلين وهذه عن مخادع الأبرار وهذه عن مخادع
التائبين، فالكاملون هم الذين لم يخطئوا ولم يتدنسوا كافة ايام حياتهم، والعادلون هم الذين اعطوا الجسد
حقّه بما يلزمه من الحاجات، والأبرار هم الذين نالوا التبرير بعد سقوطهم في الخطية بأتعاب وأعمال
شاقّة.
وقد اتخّذ الملفان هذه الفكرة من قول الرسول بولس (ومجد الشمس نوع، ومجد القمر نوع آخر، ومجد
النجوم نوع آخر، لان نجما يمتاز عن نجم في المجد ) 1كو 15: 41.
المائدة:
ترفع المائدة في وسط بيت الاقداس، لان المسيح صار وسيطا بين الله والبشر،
وتكون مطلقة من جهاتها الاربع، ويسميها السريان "فوتورو" أو "مَدبحو" أو "ترونوس"،
وتقدّس بصلاة خاصّة وتمسح بالميرون، وترفع القرابين عليها لله الواحد.
تتّخذ مادتها غالبا مـــن الخشب المختار (4) أو الحجر أو الرخام وتصنع مستوية على شكل مستطيل
من الشمال الى الجنوب لأنها تشير الى قبر السيٍّد المسيح، وتركّز على أطرافها الأربعة، أربعة أعمدة،
تعلوها قبّة، يعلّق على وجهها ستار يسدل ويكشف في أوقات معيّنة من الصلاة والقدّاس الالهي
يرقى اليها من صحن بيت الأقداس بدرجة واحدة أو درجتين،
ويحرّج على غير الكاهن الوقوف عليها وقت القداس، ولا يجوز تجديدها اذا ما اصيبت
بعطل كما لايجوز غسلها او مسحها بعد أن تقدّست مرة واحدة من قبل الأسقف،
الاّ في الجمعة العظيمة عندما ترفع الآنية لتنفض، فعلى الكهنة أن يغمّسوا الاسفنجة بماء عطري
ويمسحوها، هذا ومنعت الكنيسة التقدّم من المائدة بغية الاستشفاء.
--------------------------------
1- كان المسيحيون في اول امرهم لاينصبون في البيعة الا مذبحا" واحدا"
وعلى توالي الزمان اخذوا يقيمون المذابح المتطرّفة التي تسمى بالسريانيّة "غنيزه"
أي السريّة لاداء القداس فيها سرا".
2- وهنالك الدرابزين يقوم الى جانب الشمالي من بيت الاقداس 0وهو المحل الذي يقف فيه الشمامسة
في اثناء الخدمة. قد ورد ذكره في قوانين مار رابولا الرهاوي مرتين.
والى جهة اليمين محل اخر يقال له في السريانية "بيث شاموشه"
بيت الشمامسة وباليونانية ديقونيون أي بيت الخدمة فيه توضع الثياب والانيّة القدسيّة،
واليه يدخل الكهنة والشمامسة ليرتدي كل منهم ثوبه الخاص برتبته كما ورد في القانون العشرين
من مجمع قطسفون وسليق (تاريخ الكنيسة السريانية الانطاكية مج 2 ص16 ) وقد ذكره الداري ايضا.
3- في بعض الكنائس سيما في الأديرة، محل يحوي رفات بعض القديسين يسمى بيت سُهده أو بيت
قاديشه.
4- قال مار ايوانيس الداري ( ان المائدة الخشبية في الشريعة الموسوية كانت مغشاة بالذهب من الداخل
ومن الخارج، وكان ذلك يرمز الى اتحاد اللاهوت بالناسوت،
كما كان يرمز ايضا الى نقاء والدة الاله من ادران الخطية كي تكون اهلا ليحّل عليها الروح القدس وتحمل
الأقنوم الثاني في أحشائها، أما في المسيحيّة فتصنع المائدة من الخشب دون تغشيته بالذهب،
وذلك كما أن الحشب عندما يحترق بالنار يذوب يتلاشى ويستحيل رمادا.
هكذا ايضا ان كلمة الله الذي هو تحت شكلي الخبز والخمر الموضوعين على المائدة يحرق الخطايا
ويذيبها ويحيلها الى العدم. هذا من جهة ومن جهة اخرى، كما ان الخشب يزهر وينبت اذا كان له جذر،
هكذا ايضا الراقدون بالمسيح اذا كانت جذور الايمان متأصّلة فيهم،
فانهم يزهرون ويحيون بواسطة جسد المسيح ودمه الدفينين في اعضائهم).
-------------------------------
اعداد الربان انطونيوس لحدو
تــــم نقـــل هذا المنتدي إلي موقع آخــــر ... 
الإثنين فبراير 24, 2014 5:29 pm
