هوذا العبد الامين الحكيم الذي اقامه الرب على بيته. (لوقا 42:12)
تحتفل الكنيسة في التاسع عشر من كل عام بعيد القديس يوسف، كما شيدت وتشيد الكنائس في ارجاء المعمورة باسم القديس يوسف، وهناك الكثيرون من الاشخاص في انحاء العالم ممن يحملون اسم يوسف، فمن هو هذا القديس البار الاّتي من نسل الملك داود من سبط يهوذا ؟
لقد كانت مريم العذراء مخطوبة ليوسف، وقبل ان يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس، ولما كان خطيبها يوسف رجلا بارا قوي الايمان، لم يشأ ان يشهر بها، بل اراد تخليتها سراً، وبينما هو يفكر بالامر اذ بملاك الرب قد ظهر له في الحلم قائلا له:
يا يوسف ابن داود لا تخف ان تأخذ مريم امرأتك، لان الذي حبل بها هو من الروح القدس، فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع، لانه يخلص شعبه من خطاياهم، فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب وأخذ امراته ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر، ودعا اسمه يسوع كما وردت هذه القصة في انجيل متى وفي انجيل لوقا.
كيف علم يوسف بالامر وماذا كان يفكر خطيب مريم عندما علم انها حامل؟
لسنا نعلم كيف علم يوسف بهذا السر، ولسنا نعرف ماذا دار بفكره عندما علم بالامر، ولكن مما لا شك فيه انه وقع كما وقعت مريم من قبله في خوف واضطراب عظيمين بسبب خطورة الامر، فقد ادرك ان الطفل ليس طفله، ولكن نظراً لحبه الشديد لمريم واحتراماً لشخصيتها، وللقصة التي روتها له، ولشعورها نحو الطفل المنتظر، لم يِشأ ان يصدق ان مريم ارتكبت عملا شنيعا، ومع هذا فلا بد ان شخصاً اخر كان ابا لهذا الطفل وكان صعبا عليه ان يدرك ان هذا الاب هو الله.
وهنا تدخلت العناية الالهية التي لا تغفل عن اصغر الامور في هذا العالم الواسع، حيث ارسل الله ملاكا ليوسف ليلا ليريه اهتمام السماء بايمان اهل الارض، وليؤكد له قصة العذراء مريم وان الذي حبل به في بطنها هو من الروح القدس، ويتفهم ان الاقتران بها اوجب من الابتعاد عنها وتخليتها، وان ياخذ بالاعتبار ان ما كان يحسبه عاراً عليه وعليها هو بالحقيقة اكبر فخر لهما، فاطاع يوسف الله، واخذ امراته ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر، وعاش وهو يقوم مقام الاب الشرعي ليسوع حامياً ومربيا دون ان نعرف كم من العمر عاش، ولكن كل ما نعلمه ان ذكره ورد في الكتاب المقدس مرة اخرى عندما كان يسوع ابن اثنتي عشر سنة وجاء به يوسف وامه مريم الى الهيكل، كما نعرف ان مكان سكنهم كان في الناصرة، وان الجميع من حوله عرفوا يسوع ابن يوسف كما انه ابن مريم.
كان يوسف نجاراً من الناصرة وقد علم يسوع النجارة : أَلَيْسَ هذَا هُوَ النَّجَّارَ ابْنَ مَرْيَمَ" (6: 3)
إنجيل مرقس، كما نال منه نصيبا وافراً من التربية الروحية، فهو رجل مؤمن وامين من نسل داود الملك الذي يدوم نسله الى الابد كما ورد في سفر الملوك الثاني، كما كان محافظا على الشريعة وعاملا بارشادات الله، مطيعا بارا ومستعدا ان يعمل بمشيئة الله مهما كانت النتائج،كما وفر بيئة صالحة ليسوع وامه مريم واقام اسرة مقدسة، فما اعظم الجائزة التي نالها يوسف البار بسبب اختياره لخطيبته ذات الخلق الرفيع على الرغم من فقرها المادي، ثم بسبب طاعة الامر الالهي على الرغم من صعوبة هذه الطاعة دون برهان ملموس، فقد امن بالله كما اّمن جده ابراهيم فحسب له كل ذلك براً.
ليتنا نقتدي بالقديس التقي، يوسف الصديق في سيرته وايمانه، وامانته وتعقله واتزانه، وتجاوبه وخدمته وطاعته للرب، ونسلك مثله امام الله بالبر والقداسة، وان لا تجعلنا المشاعر حائرين لا نميز الصواب من الخطأ، وان نرتضي طواعية بما يريد الله ان يستخدمنا من أجله، وان تنفتح قلوبنا لسماع كلمة الله، وان لا يهتز ايماننا، وان لا تتزعزع ثقتنا بربنا عند اية عاصفة تهب علينا، كما انه يتوجب علينا ان نكون من العقلاء عند اتخاذ قرار يؤثر على حياة الاخرين من حولنا، مستلهمين حكمة الله وارشادات الروح القدس، فطوبى لسكان بيتك يا رب، انهم لا يكفون عن تسبحتك، لك المجد والحمد يا رب.