المحبّة الأخويّة
شريعة المحبّة هي الشّريعة الوحيدة الواجب علينا أن نخضع لها. فالمحبّة تحرّر عقولنا من كلّ جهلٍ
وتنيرها بالحكمة، كما تحرّر قلوبنا وتمسح منها كلّ بغضٍ وحقدٍ فننفتح على أخينا ونسعى إليه بكلّ
مسؤوليّة. والمحبّة الأخويّة لا تشمل إخوتنا بالإيمان، ولكنّها تشمل أي إنسانٍ في العائلة البشريّة،
فالمسيح مات وقام من أجلنا جميعاً، ولم يكن الفداء حصريّاً لجماعة معيّنة، بل للبشريّة كلّها.
أن نحبّ بعضنا، يعني أن نعيش شركة الأخوّة، فيكون لأخي حقّ عليّ بأن أسعى دوماً إلى أن أهتمّ به،
وأحسن إليه وأشركه معي في عطايا الله لأنّ كلّ شخص منّا يخصّه، وبالتّالي حبّنا لأخينا يثبت محبّتنا
لله.
المحبّة ليست نظريّة فلسفيّة أو عاطفة رومانسيّة نعيشها بحسب مزاجنا النّفسيّ والعاطفيّ، وإنّما هي
فعل حرّ مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالله وبالإنسان.
أدرك القديس بولس أهمّيّة المحبّة، الّتي هي كمال الشّريعة. فوصيّة المحبّة تلخّص الوصايا، إذ يصبح
تطبيق الوصايا فعل محبّة حرّ وليس تطبيقاً لحرف جامد. فإن أحببت أخي حبّي لنفسي، لن أسرقه ولن
أقتله ولن أشتهي امرأته... المحبّة هي الرّادع الأقوى من أيّ قانون تشريعيّ، لأنّها تتغلغل في عقولنا
ونفوسنا، فتجتاحنا وبالتّالي نفيضها على الآخر. إنّ القوانين البشريّة، وعلى الرّغم من أهميّتها إلّا أنّها
تبقى ناقصة وقد يكون قانون معيّن في مكانٍ ما مناسب وفي آخر غير مناسب. أمّا المحبّة فهي شاملة
، وكاملة .
المحبة المسيحية تنبع من قلب الله، إنها ذات طابع إلهي، إنعكاس من الله في قلب الإنسان المؤمن
المحبّ. ونحن لا نعلم كيف نحبّ، فمحبّتنا آنيّة، ومؤقّتة، وقد ترتبط بشعور عاطفيّ معيّن. علينا أن
نحبّ بقلب الله، فتأتي المحبّة مجرّدة من أي مصلحة أو محاباة أو تمييز. ( أحبّوا بعضكم كما أنا
أحببتكم )، أي التّمثّل بمن أحبّنا بشكل مطلق، وقبلنا كما نحن، ومات لأجلنا ونحن بعد خطأة.
لو تاملنا الوصايا لرأينا أنّها مرتبطة بالله أولاً ثمّ بالإنسان. وهي تعبّر عن إقامة علاقة حبّ واحترام مع
الله ، من حيث تكريس الفكر والقلب له وحده، وبالتّالي علاقة مع القريب. وهذه الوصايا مرتبطة
بالوصيّة الأولى، فعلاقتنا مع الله تحدّد علاقتنا مع القريب، ولا علاقة مع الله خارجاً عن القريب،
والعكس صحيح. ( كيف يمكنك أن تحبّ الله الّذي لا تراه ولا تحبّ أخاك الّذي تراه ؟ ). إنّ الله موجود
في أخينا الإنسان، وبالتّالي حبّنا له يبرهن عن حبّنا لله.
هذه العلاقة العاموديّة مع الله والأفقيّة مع الإنسان، ترسم صليب الحبّ، صليب الخلاص. لا خلاص إلّا
بالمحبّة ، أي لا حرّيّة إلّا بالمحبّة. فهي السّلاح القويّ، الّذي به نسحق كلّ عبوديّة وكلّ ظلم وقهر.
يسوع غلب العالم بالحبّ، وانتصر على الموت بالحبّ، وبذلك استحققنا أن نكون أبناء لله، أبناء المحبّة
المطلقة وغير المشروطة. وإن كنّا نؤمن أنّ الله، هو أبونا، فبالتّالي كلّنا إخوة لأب واحد، وليس إخوة
بالرّوح وحسب، وإنّما إخوة بالدّمّ ، دم يسوع المسيح.