القديسون إيرميوني الشهيدة النبية وموسى النبي وبابيلا أسقف إنطاكية الشهيد(4 أيلول)
سنكسار القديسان الشهيدان مرسيل وكاسيان
كان مرسيل جندياً. قال: "إذا كانت الجندية مرتبطة بتقديم الذبائح للأوثان، فأنا لا أستطيع أن أكون جندياً". قال هذا لأنه كان مسيحياً. ثم نزع زناره وسلاحه ورماه جانباً فحكم عليه بالموت. وكان على الكاتب كاسيان أن يدوّن عقوبة الإعدام في دفتر السجلات فتمنع، فحكم عليه هو الآخر بالموت، وقطع رأساهما. كان ذلك في أيام الإمبراطور مكسيميانوس (285 -305).
سنكسار القدّيس موسى النبي معاين الله
خبره:
من قبيلة لاوي. ولد في مصر أيام كان العبرانيون في خدمة فرعون. عندما ولد، كان هناك أمر فرعوني قد صدر بأنه لا يجوز لأولاد العبرانيين الذكور أن يعيشوا. ألقته أمّه في سلّ في نهر النيل، فرأته ابنة فرعون وتبنته. اسم موسى معناه: "المنقَذ من الماء".
نشأ موسى بين المصريين وأتقن حكمتهم. ولما بلغ الأربعين قتل مصريا كان يتعارك وعبراني، واضطر إلى الفرار. لجأ إلى بلاد مدين حيث تزوّج سيفورا ابنة يثرو، كاهن مدين، فأنجبت له ابنا سمّاه جرشوم الذي معناه (أنا غريب في أرض غريبة). في مدين عاش موسى راعيا لأغنام عمّه. هناك بين الجبال والبرّية، في كنف الوحدة والسكون، أعد الله عبده موسى لعمل عظيم، ليكون راعيا لشعبه إسرائيل.
وحدث يوما انه ساق قطيعه إلى جبل سيناء الذي هو حوريب، فظهر له الله وعاينه موسى، على قدر ما يمكن الإنسان أن يعاين الله. رأى موسى، بأم العين، علّيقه ملتهبة بنور أشدّ ضياء من نور الشمس ولم تحترق. فكان ذلك بمثابة رسم للسرّ الكبير الذي تمّ بمجيء المخلّص في الجسد من مريم البتول.
قضى موسى في مدين أربعين سنة، ثم عاد إلى مصر بناء لأمر الله. عاد ليخلّص الشعب العبراني من عبودية فرعون. و إذ بدت المهمة صعبة عليه وحده، وهو الذي لا يملك موهبة الكلام، أعطاه الرب الإله هارون أخاه معينا ومعبّرا لدى الشعب.
دخل موسى وهارون إلى فرعون وأبلغاه بكلام الله أن يدع الشعب الإسرائيلي يذهب، فلم يصغ إليهم، لأن العبرانيين كانوا عبيدا نافعين، لاسيما في البناء.
وضرب الله مصر عشر ضربات بواسطة عبده موسى. حوّل مياه مصر إلى دم، وأرسل لهم الضفادع فملأت الشوارع والمخادع، ونفخ الغبار فصار بعوضا وفتك بالناس، وبعث بالذباب فأفسد الأرض، وأمات مواشي المصريين وملأ الدنيا رمادا، وضرب الناس والبهائم بالقروح، وأمطر البرد فخرّب المزروعات، وأرسل الجراد فغطّى وجه السماء، وكسف نور الشمس، وأخيرا ضرب كل بكر من أبكار المصريين. كل ذلك نجده مفصّلا في الكتاب المقدّس، في سفر الخروج.
أخيراً، ترك فرعون الشعب يذهب. وفي الطريق، شقّ الرب أمام شعبه البحر الأحمر فعبر على اليبس، ثم ردّ المياه على المصريين بعدما ندموا لتركهم العبرانيين يذهبون ولحقوا بهم طالبين إعادتهم إلى مصر عبيدا.
وقاد موسى الشعب العبراني في الصحراء أربعين سنة، يربّيه بإيعاز الله، ويعدّه لاقتبال خيرات أرض الميعاد. ورغم التعديات والجحود الذي أبداه العبرانيون في الطريق، رغم اشتياقهم إلى ارض العبودية، مصر، وإلى الثوم والبصل هناك، وإلى عبادة الأصنام، لم يتخلّ الله عنهم، بل صبر عليهم واعتنى بأمرهم، وكان لصلاة موسى ووساطته دورها الكبير في ذلك.
في البريّة، أظهر الرب الإله رأفته على شعبه من خلال آيات شتى صنعها أمامهم، فأنزل لهم الّمن من السماء يقتاتون به، وحلّى المياه المرّة، وقادهم بالغيمة نهارا، وبلمعان النور ليلاً، ونصرهم على أعدائهم.
ولما قرب الشعب من جبل سيناء، دعا الرب الإله موسى ليصعد إليه. هناك، على الجبل، أظهر العلي نفسه لموسى في غيمة مضيئة وصوت الأبواق. وكلّم موسى الله كما يكلّم الصديق صديقه، وأجابه الله بالرعود. أظهر الله مجده وعلّم موسى أحكام الشريعة. وبقي موسى، فوق، أربعين يوما تلقّن خلالها ما كان ضروريا لاقتناء الفضيلة ومعرفة الله. كذلك تلّقى من الله المواصفات الدقيقة الخاصة ببناء الخيمة، والطقوس التي ينبغي على الشعب تأديتها انتظارا لمجيء المسيح بالجسد. وبعدما تملأ موسى من كل هذه الإعلانات السماوية، نزل مزوّدا بلوحين حجريين عليهما الوصايا العشر خطّها الله بإصبعه. كان النور الإلهي قد دخل عميقا إلى قلبه وطفح على وجهه. وإذ لم يكن الشعب قد تلقّن، بعد، أسرار الله، لم يستطع تحمّل النظر إلى وجه موسى، فاضطر لأن يضع برقعاً على وجهه.
ورغم كل العلامات والآيات التي أعطاها الله لشعبه، استمر الشعب يخطئ إلى الرب إلهه ويمرمر عبده موسى.
ومع أن موسى لم يكفّ عن التوسط لدى الله من أجل الشعب، فانه شكك في عون الله عندما عطش الشعب في مريبا. ولكن، بأمر من الله، ضرب موسى الصخرة، فخرج منها ماء حي وشرب الشعب. وكان لخطيئة موسى والشعب ثمنها، فقال الرب الإله انه لا يدخل إلى ارض الميعاد كل ذلك الجيل الذي خرج من مصر لأنه لم يؤمن بوعود الله. وبالفعل، عندما بلغ موسى سنّه المائة والعشرين، وكان الشعب على وشك الدخول إلى الأرض التي تفيض لبناً وعسل، صعد موسى، بناء لأمر الله، إلى قمة أباريم وعاين أرض فلسطين من بعيد. وهناك، على تلك الأكمة، رقد موسى ودفن. ولا يعرف أحد إلى اليوم الموضع الذي دفن فيه.
هذا هو موسى، كليم الله، الذي جاء في سفر العدد أنه كان حليماً جداً أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض (عدد 3:12 ).
تذكار الشهيد في رؤساء الكهنة منير (بابيلا) أسقف أنطاكية
(القرن الثالث)
جاء في كتاب "تاريخ الكنيسة" لأفسافيوس القيصري (+340م) ما يلي: "يفيد بعض المصادر أن الإمبراطور الروماني فيليبس، لما كان مسيحياً، رغب، ليلة الفصح، أن يشترك مع الجموع في صلوات الكنيسة، فمنعه الأسقف بسبب كثرة الجرائم التي ارتكبها ما لم يدل، أولاً، باعتراف صريح بخطاياه ويدخل في عداد التائبين. فما كان من الإمبراطور سوى أن أذعن للحال..." (تاريخ الكنيسة – الكتاب السادس – الفصل 34).
هذا الأسقف الشجاع الذي تحدّث عنه أفسافيوس والذي صار مضرب المثل، على مرّ العصور، هو القديس بابيلا.
لا نعرف الكثيرعن بابيلا. ولعلّه تبوأ عرش أسقفية أنطاكية في العام 237 خلفاً لزابينوس، فأضحى الأسقف الثاني عشر على المدينة العظمى بعد القدّيس بطرس الأول. ويقال أن أسقفيته امتدّت ثلاثة عشر عاماً، أيام الأباطرة الرومان غورديانوس وفيليبس العربي وداكيوس.
فأما فيليبس فكان من بلاد حوران، من قرية قريبة من مدينة بصرى. ويبدو – حسبما يشير بعض المصادر القديمة – أنه كان وزوجته سفيرة مسيحيين. لكن هذا لم يكن بحال دليلاً على سيرة طيبة سارها في حياته، لأن فيليبس كان عسكرياً وصولياً لا يتورّع عن القتل والتآمر لينال مبتغاه. وينقل عنه أنه دسّ السم لعم غورديانوس قيصر.ليأخذ مكانه في الحكم، ثم ضغط على غورديانوس فأعطاه لقب قيصر، وإذ خشي غورديانوس جانبه أعطاه ابنه الصغير عربون وحدة وسلام بينهما. لكن فيليبس ما لبث أن فتك بغورديانوس وقتل الصبي وانتزع العرش. ويبدو أن أخبار جرائمه، كانت على كل شفة ولسان. وهذا ما حدا بالأسقف بابيلا إلى الوقوف في وجهه ومنعه من دخول الكنيسة ما لم يعترف بخطاياه ويتب عنها.
وقد ذكر بابيلا عدد من آباء الكنيسة بإكبار عظيم، لاسيما القدّيس يوحنا الذهبي الفم الذي قال عنه إنه كان رجلاً عظيماً وعجيباً. وقد قال عنه أيضاً: "هل هناك إنسان في العالم كان يمكن لبابيلا أن يخشاه، بعدما وقف في وجه الإمبراطور بمثل هذا السلطان؟ لقد لقّن الملوك، بذلك، درساً أن لا يحاولوا بسط سلطانهم إلى أبعد من القدر المسموح به من الله، كما أعطى رجال الكنيسة مثلاً كيف ينبغي أن يستعملوا السلطان المعطى لهم.
أما استشهاد بابيلا فيظن أنه كان هكذا: في العام 249 للميلاد فتك داكيوس بفيليبس قيصر. ثم في العام 250 باشر حملة اضطهاد للمسيحيين، فقبض جنوده على بابيلا وطرحوه في السجن حيث قضى، نتيجة المعاملة السيئة التي لاقاها. ويقال أن بابيلا طلب قبل موته أن تلقى السلاسل معه في القبر لأنه اعتبرها أداة لانتصاره. وقد بنى المسيحيون كنيسة فوق ضريحه.
وإلى جانب بابيلا يذكر التقليد استشهاد ثلاثة أولاد أخوة كان لهم بمثابة أب: أوربانوس (12 سنة) وبرلدان (بريليديانوس) (9 سنوات) وهيبولينوس) (7 سنوات) وأمهم أمة الله (ثيودولا).
وبعد استشهاد بابيلا بحوالي مئة عام، وبالتدقيق في السنة 351، كان غالوس قيصر، شقيق يوليانوس الجاحد، مقيماً في أنطاكية، وهو أمير تقي ورع، يكرم القديسين الشهداء على نحو مميّز. هذا أقلقه أن في "دفني"، وهي ضاحية من ضواحي أنطاكية، هيكلاً وثنياً فيه تمثال لأبولون شاع بين الناس أنه يتنبأ بالمستقبلات، وأحدث بلبالاً، لاسيما بين المؤمنين، ليس بقليل. وإذ رغب غالوس قيصر في تطهير تلك الناحية من أعمال الشيطان وممارسات اللهو والفجور، أقام، مقابل هيكل أبولون، كنيسة نقل إليها رفات القديس بابيلا. وللحال خرس شيطان التمثال ولم يعد يسمع له صوت، واختشى الناس واستشعروا.
وبقيت للحال على هذا النحو إلى أن جاء يوليانوس الجاحد إلى أنطاكية في العام 362 راغباً في كلمة نبوءة بشأن حربه ضد الفرس. وإذ وجد تمثال أبولون صامتاً، قام بذبح مئات الحيوانات وتقديمها على مذبح الوثن راجياً أبولون أن يعود إلى سابق نبواءته، أو على الأقل، أن يقول لماذا توقف عن الكلام. فلم يشأ الشيطان أن يذكر رفات القديس بابيلا بالاسم، بل اكتفى بالقول أن في "دفني" جثثاً كثيرة ينبغي أبعادها أولاً حتى يعود "أبولون" إلى الكلام. ففهم يوليانوس أن المقصود هو القديس بابيلا، في الجوار. فأمر المسيحيين أن يخرجوا رفات القديس من المكان. وما أن فعلوا حتى ضربت صاعقة الهيكل الوثني فأضرمت فيه النيران. ثم تبعت الصاعقة هزّة أرضية دكت ما تبقى من الجدران فأحالتها كومة من الحجارة.